SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
الرئيسية

الساقط من السماء

فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ

بتاريخ: 2018-07-02 05:50:32

اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

قال الله تعالى:} وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ{[الحج:31].

قوله تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بالله} جملةٌ مبتدأةٌ مؤكدة لما قبلها من الاجتناب عن الإشراك وإظهارُ الاسم الجليل لإظهار حال قُبح الإشراكِ، {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} لأنَّه مُسْقَط من أوجِ الإيمان إلى حضيض الكفرِ، {فَتَخْطَفُهُ الطير} فإنَّ الأهواء المُرديةَ توزِّعُ أفكاره، {أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح} أي تُسقطه وتقذفُه {فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيدٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ قد طوَّحَ به في الضَّلالةِ. [ إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (6/106)].

ففي هذه الأية ضَرَبَ اللهُ عز وجل للمشرك مثلًا في ضلاله وهلاكه وبُعده عن الهدى فقال: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} أي: سقط منها، { فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ}، أي: تقطعه الطيور في الهواء، {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي: بعيد مهلك لمن هوى فيه؛ ولهذا جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"... وإنَّ العبدَ الكافرَ- وفي روايةٍ: الفاجرَ- إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نَزَل إليه من السماءِ ملائكةٌ غِلَاظٌ، شِدَادٌ، سُودُ الوجوهِ، معَهُمُ المُسُوحُ من النارِ، فيَجْلِسُونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثم يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتى يَجْلِسَ عند رأسِهِ، فيقولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الخبيثةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللهِ وغَضَبٍ، قال: فتفَرَّقُ في جَسَدِهِ؛ فيَنْتَزِعُها كما يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الكثيرُ الشُّعبِ من الصُّوفِ المَبْلُولِ، فتَقْطَعُ معها العُرُوقَ والعَصَبَ، فيَلْعَنُهُ كلُّ مَلَكٍ بينَ السماءِ والأرضِ، وكلُّ مَلَكِ في السماءِ، وتُغْلَقُ أبوابُ السماءِ، ليس من أهلِ بابٍ إلا وهم يَدْعُونَ اللهَ أَلَّا تَعْرُجَ رُوحُهُ من قِبَلِهِمْ، فيَأْخُذُها، فإذا أخذها، لم يَدَعُوها في يَدِهِ طَرْفَةَ عينٍ حتى يَجْعَلُوها في تِلْكِ المُسُوحِ، ويخرجُ منها كأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ على وجهِ الأرضِ، فيَصْعَدُونَ بها ، فلا يَمُرُّونَ بها على مَلَأٍ من الملائكةِ إلا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الخَبِيثُ؟!

فيقولونَ: فلانُ ابنُ فلانٍ – بأَقْبَحِ أسمائِهِ التي كان يُسَمَّى بها في الدنيا -

حتى يُنْتَهَي به إلى السماءِ الدنيا، فيُسْتَفْتَحُ له، فلا يُفْتَحُ له، ثم قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:

 {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الإعراف:40]

 فيقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: اكْتُبُوا كتابَه في سِجِّينَ في الأرضِ السُّفْلَى.

 ثم يُقالُ: أَعِيدُوا عَبْدِي إلى الأرضِ؛ فإني وَعَدْتُهُمْ أني منها خَلَقْتُهُمْ، وفيها أُعِيدُهُمْ، ومنها أُخْرِجُهُمْ تارةً أُخْرَى.

 فتُطْرَحُ رُوحُهُ من السماءِ طَرْحًا، حتى تَقَعَ في جَسَدِهِ؛ ثم قرأ:

 {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}

 فتُعادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ".( أخرجه أبو داود (4753)، وأحمد (18558) باختلاف يسير)

فالإيمان صورته الآيات بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة، ومن ترك الإيمان، فهو بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دينه ودنياه.

قال ابن المنير: "إن الكافر قسمان لا غير:

 مذبذب متمادٍ على الشك وعدم التصميم على ضلالة واحدة، وهذا مشبه بمن اختطفه الطير وتوزعته، فلا يستولي طائر على قطعة منه إلا انتهبها منه آخر، وتلك حال المذبذب، لا يلوح له خيال إلا اتبعه وترك ما كان عليه.

 ومشرك مصمم على معتقد باطل، لو نشر بالمناشير لم يرجع، ولا سبيل إلى تشكيكه، ولا مطمع في نقله عما هو عليه؛ فهو فرح مبتهج بضلالته، وهذا مشبه في قراره على الكفر باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل، هو أبعد الاحياز عن السماء فاستقر فيه" [روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني(9/143)].

إن النص هنا يرسم لنا مشهدًا عنيفًا يصوِّرُ حال من تزل قدماه عن أفق التوحيد، فيهوي إلى درك الشرك، فإذا ضائع ذاهب بددًا كأن لم يكن من قبل أبدًا.

إنه مشهد الهويّ من شاهق، وفي مثل لمح البصر يتمزق أو تقذف به الريح بعيدًا عن الأنظار في هوة ليس لها قرار!

وهي صورة صادقة لحال من يشرك باللّه فيهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء، إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها- قاعدة التوحيد - ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه فتتخطفه الأهواء تخطف الجوارح، وتتقاذفه الأوهام تقاذف الرياح، وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه.

مرات القراءة: 804

مرات الطباعة: 73

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك