عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري ومسلم).
يدور هذا الحديث حول ركن ركين من أركان الأخوة الإسلامية الصادقة، وبرهان من براهين الإيمان وشواهده، كما أخبر بذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك بوّب عليه البخاري رحمه الله "باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
ومن فوائد ومعاني الحديث*:
قوله: (لا يؤمن) أي: من يدعي الإيمان... والمراد بالنفي كمال الإيمان، ونفي اسم الشيء - على معنى نفي الكمال عنه - مستفيض في كلامهم كقولهم: فلان ليس بإنسان.
فإن قيل: فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان، أجيب بأن هذا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد من قوله "لأخيه المسلم" ملاحظة بقية صفات المسلم...
ومعنى الحقيقة هنا الكمال، ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا، وبهذا يتم استدلال المصنف على أنه يتفاوت، وأن هذه الخصلة من شعب الإيمان، وهي داخلة في التواضع على ما سنقرره.
قوله: (ما يحب لنفسه) أي: من الخير... والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا، قال النووي: المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، وقد تكون بحواسه كحسن الصورة، أو بفعله إما لذاته كالفضل والكمال، وإما لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر. والمراد هنا بالميل الاختياري دون الطبيعي والقسري، والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له، لا عينه، سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية، وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له، إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال.
والمقصود الحث على التواضع؛ فلا يحب أن يكون أفضل من غيره، فهو مستلزم للمساواة. ويستفاد ذلك من قوله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا} ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد والغل والحقد والغش، وكلها خصال مذمومة.
(فائدة): قال الكرماني: ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء. والله أعلم.
__________
(*) مستفادة من فتح الباري لابن حجر رحمه الله.