تذكر الآيات التي وردت في سورة الأعراف عدة معالم من معالم التوحيد في دعوة نبي الله صالح - عليه السلام - وبينت كيف حزنه على عدم إيمان قومه بدعوته إلى التوحيد، وأنه خرج من بين أظهرهم مفارقًا لهم بعد إصرارهم على التكذيب ومخالفة أمر الله تعالى.
قال تعالى:
}فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 79]
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} إثرَ ما شاهد ما جرى عليهم، تولي مغتمًا متحسرًا على ما فاتَهُم من الإيمان متحزنًا عليهم، وقيل إنما تولى عنهم قبل نزولِ العذاب بهم عند مشاهدته صلى الله عليه وسلم لعلاماته تولى ذاهبًا عنهم منكرًا لإصرارهم على ما هم عليه.
وهكذا الأنبياء جميعهم حينما يفارقون قومهم إذا ما وجدا إصرارهم وغيهم، وهو من باب البراءة من أفعال المشركين وكفرهم، كما قال إبراهيم - عليه السلام - لقومه: }وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا{ [مريم: 48].
وقال لهم نبيهم صالح - عليه السلام - مخاطبًا لهم توبيخًا وعتابًا بعدما علم بأمر الله - تعالى - وقرب هلاكهم: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جميع ما أرسلني الله به إليكم، قد أبلغتكم به وحرصت على هدايتكم، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم.
وهو كحال جميع النبيين الذين بذلوا جهدهم ووسعهم في إبلاغ قومهم دعوة التوحيد، حتى أنهم كادوا يهلكون أنفسهم في سبيل هداية قومهم، كما قال الله - تعالى - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: }فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا{ [الكهف: 6].
ثم بين حالهم، بقوله: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي: رددتم قول النصحاء، وأطعتم كل شيطان رجيم، وصيغةُ المضارعِ حكايةُ حالٍ ماضيةٍ أي شأنُكم الاستمرارُ على بغض الناصحين وعداوتهم.
وهو ختام يلخص المشهد بجملته، مشهد الإشهاد على أمانة التبليغ والنصح والبراءة من المصير الذي جلبوه لأنفسهم بالعتو والتكذيب.