عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (رواه البخاري).
ثمرة كريمة من ثمار الإيمان في قلب المسلم؛ لذة فوق لذات الدنيا ومتعها، إنها حلاوة الإيمان التي يهبها الله لمن تحقق بثلاث خلال!
جاء في فتح الباري لابن حجر رحمه الله:
قوله: (باب حلاوة الإيمان) مقصود المصنف أن الحلاوة من ثمرات الإيمان. ولما قدم أن محبة الرسول من الإيمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك.
قوله: ( ثلاث) هو مبتدأ والجملة الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض المضاف إليه، فالتقدير ثلاث خصال، ويحتمل في إعرابه غير ذلك.
قوله: ( كن ) أي: حصلن، فهي تامة. وفي قوله: "حلاوة الإيمان" استعارة تخييلية، شبّه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو، وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه.
وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح؛ لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئا ما؛ نقص ذوقه بقدر ذلك، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوي استدلال المصنف على الزيادة والنقص.
قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبّه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ}، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها.
قوله: (أحب إليه) منصوب لأنه خبر يكون، قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له، ويلتذ بذلك التذاذا عقليا، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك. وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة. قال: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه؛ اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه: فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله. وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينا، ويخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار. اهـ.