قال الله تعالى:
}فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{ [هود: 14].
بعد أن بيَّنَ اللهُ -تعالى- إعجاز القرآن في قوله تعالى }أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ وأنه لا يستطيع أحدٌ أن يأتيَ بمثله، ولا بعَشْرِ سُوَرٍ مثله، ولا بسورةٍ مِنْ مِثْلِهِ لأنَّ كلام الرب -تعالى- لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات، وذاته لا يشبهها شيء تعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه:
قال تعالى:
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} أي: فإنْ لم يفعلُوا ما كُلِّفوه من الإتيان بمثله كقولِه تعالى، {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} لقيام الدليل والمقتضي، وانتفاء المعارض.
{وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي: واعلموا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ المستحق للألوهية والعبادة، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: مخلِصون في الإسلام، أو ثابتون عليه، وهذا من باب التثبيتِ والترقيةِ إلى معارج اليقينِ.
ويجوزُ أن يكونَ الخطابُ للمشركين، أي: فإن لم يستجبْ لكم آلهتُكم وسائرُ مَنْ إليهم تجأرون في مُهمّاتكم ومُلماتكم إلى المعاونة والمظاهَرَةِ فاعلموا أن ذلك خارجٌ عن دائرة قُدْرةِ البشر، وأنه مُنزّلٌ من خالق القُوى والقدر، فإذا ظهر عجزُهم بعدم استجابتِهم فاعلموا أن آلهتَكم بمعزل عن رتبة الشركة في الألوهية وأحكامِها.
فهل أنتم داخلون في الإسلام إذْ لم يبْقَ بعدُ شائبةُ شبهةٍ في بُطلان ما كنتم فيه من الشرك؟
وفي هذا الاستفهامِ إيجابٌ بليغٌ لما فيه من معنى الطلب والتنبيهِ على قيام الموجبِ وزوالِ العذر وإقناطٌ من أن يجيرهم آلهتُهم من بأس الله عز سلطانُه.
وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين، خصوصًا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيًا على أمره، مقبلًا على شأنه، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها، بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب.
وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ}.