قال تعالى:
}فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ{ [هود: 66 - 68].
يعرض لنا الحق - تبارك وتعالى - في هذه الآيات المشهد الختامي لنبي الله صالح - عليه السلام - مع قومه ثمود، والعاقبة التي تنتظر الفريقين: فريق المؤمنين بالله، وفريق الكافرين المنكرين المعاندين لدعوة التوحيد، وكيف أن نجاه دعاة التوحيد وأتباعهم إنما هو بمحض رحمة ولطف الله - سبحانه وتعالى -.
قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بوقوع العذاب {نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ{ أي: نجيناهم من العذاب والخزي والفضيحة، }بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}، أي: برحمة نازلة مِنَّا على قلوبهم حتى وفقوا بها على قبول دعوته وإظهار الإيمان به، فقد أنجاهم الله - عز وجل - بلطفه من خزي النشأة الأخرى وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أيضًا.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}، أي: إن ربك - أيها الرسول - الذي فعل هذا قادر على فعل مثله بقومك إذا أصروا على الجحود، فإنه هو القوي المقتدر الذي لا يعجزه إنجاز وعده، العزيز الغالب على أمره.
فمن قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغية ونجى الرسل وأتباعهم، وهو القادرُ على كلِّ شيءٍ والغالبُ عليه لا غيرُه.
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} العظيمة فقطعت قلوبهم {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي: خامدين لا حراك لهم، ولا يَخْفى ما فيهِ منَ الدلالةِ عَلى شدة الأخذِ وسرعتِه.
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم ولا أنسوا بها ولا تنعموا بها يوما من الدهر قد فارقهم النعيم وتناولهم العذاب السرمدي.
{أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} أي: جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة {أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ}
عن سعة رحمة الحق في النشأة الأولى والأخرى، فما أشقاهم وأذلهم.
وقد صرح الله - عز وجل - بكفرهم مع كونه معلومًا مما سبق من أحوالهم تقبيحًا لحالهم وتعليلًا لاستحقاقهم بالدعاء عليهم بالبعد والهلاكِ.
ومرة أخرى - وفي المشهد الختامي - نجدنا أمام حلقة من حلقات الرسالة على مدار التاريخ الدعوة فيها إلى التوحيد وعبادة اللّه وحده بلا شريك، والدينونة للّه وحده بلا منازع.
ومرة أخرى نجد أن القوم يواجهون الآية الخارقة التي طلبوها، لا بالإيمان والتصديق، ولكن بالجحود وعقر الناقة!
ولقد كان مشركو العرب يطلبون من رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خارقة كالخوارق السابقة كي يؤمنوا، فهاهم أولاء قوم صالح قد جاءتهم الخارقة التي طلبوا فما أغنت معهم شيئًا!
إن الإيمان لا يحتاج إلى الخوارق، إنه دعوة بسيطة تتدبرها القلوب والعقول، ولكن الجاهلية هي التي تطمس على القلوب والعقول.