لما رأى نبي الله لوط - عليه السلام - أنهم لا يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضلالهم، تبرأ منهم وقال: إني لعملكم من القالين أي المبغضين، لا أحبه ولا أرضى به، وإني بريء منكم، ثم دعا الله عليهم فقال رب نجني وأهلي مما يعملون.
قال الله تعالى:
}قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ(*) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ{ [الشعراء: 168 - 169].
وقال تعالى:
}قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ{ [العنكبوت: 30].
على منهج من سبقه من الأنبياء - عليهم السلام - سار نبي الله لوط - عليه السلام - في البراءة من أعمال قومه، والتوجه إلى الله - تعالى - لما أيقن إصرارهم على المضي في التكذيب وارتكاب الفاحشة التي لم يسبقها إليها أحد من العالمين.
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} أي: المبغضين له غايةَ البغضِ، كأنه يقْلى الفؤادَ والكبدَ لشدَّتِه، وهو أبلغُ في الدلالة على أنه - عليه الصلاةُ والسلام - من زُمرة الرَّاسخين في بغضه المشهورينَ في قِلاه ولعلَّه - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - أراد إظهارَ الكراهة في مُساكنتِهم والرَّغبةِ في الخلاصِ من سوءِ جوارهم.
ولذلك أعرضَ عن محاورتِهم وتوجَّه إلى الله - تعالى - قائلاً {رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من شؤمِ عملهم وعائلته.
وهو لا يعمل عملهم، ولكنه يحس بفطرته الصادقة أنه عمل مرد مهلك - وهو فيهم - فهو يتوجه إلى ربه أن ينجيه وأهله مما سيأخذ به قومه من التدمير.
فأيس منهم نبيهم، وعلم استحقاقهم العذاب، وجزع من شدة تكذيبهم له، فدعا عليهم {قَالَ رَبّ انصرني} أي بإنزالِ العذابِ الموعودِ {عَلَى القوم المفسدين} بابتداعِ الفاحشةِ وسنِّها فيمن بعدَهُم والإصرارِ عليها واستعجالِ العذابِ بطريقِ الاستهزاءِ وإنما وصفَهم بذلك مبالغةً في استنزالِ العذابِ عليهم، فاستجاب الله دعاءه، فأرسل الملائكة لإهلاكهم.