عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا - أو الحياة شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية" (رواه البخاري).
في هذا الحديث الشريف إشارة إلى فضل الله الكبير على المؤمنين؛ حتى من كان منهم يوم القيامة يحمل في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، وهو أقل ما يمكن وصفه!
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري:
قوله: ( باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال ) في: ظرفية ويحتمل أن تكون سببية، أي التفاضل الحاصل بسبب الأعمال.
قوله: (مثقال حبة) بفتح الحاء هو إشارة إلى ما لا أقل منه، قال الخطابي: هو مثل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن; لأن ما يشكل في المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم.
وقال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال.
وقال غيره: يجوز أن تجسد الأعراض فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقوله في الرواية الأخرى "أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة". ومحل بسط هذا يقع في الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف في كتاب الرقاق.
قوله: (في نهر الحياء) كذا في هذه الرواية بالمد، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابي وعليه المعنى; لأن المراد كل ما به تحصل الحياة، والحيا بالقصر هو المطر، وبه تحصل حياة النبات، فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل.
قوله: ( الحبة ) بكسر أوله، قال أبو حنيفة الدينوري: الحبة جمع بذور النبات واحدتها حبة بالفتح، وأما الحب فهو الحنطة والشعير، واحدتها حبة بالفتح أيضا، وإنما افترقا في الجمع.
وقال أبو المعالي في المنتهى: الحبة بالكسر بذور الصحراء مما ليس بقوت.