يردد بعض المفتونين شبهة تدور حول جلوس بعض النساء سافرات، وهن يرفعن صوتهن أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستشهدن بالحديث التالي:
استأذن عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك.
فقال عمر:
أضحك الله سنك يا رسول الله.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب".
قال عمر:
فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن.
ثم قال عمر:
"أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟"
قلن:
"نعم. أنت أغلظ وأفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -."
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك فجًّا غير فجك".
(البخاري: 3294، مسلم: 2396)
والرد على هذه الشبهة على النحو التالي:
هذا الحديث ليس فيه أي مطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدة وجوه:
1/ لأن هؤلاء النسوة اللاتي كن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - هن بعض أمهات المؤمنين، بدليل قوله: (يستكثرنه)، أي: يسأله زيادة النفقة .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "(وعنده نسوة من قريش) هنَّ مِن أزواجه، ويحتمل أن يكون معهنَّ من غيرهن، لكن قرينة قوله: (يستكثرنه) يؤيد الأول". انتهى .
2/ على فرض أنه كان مع أمهات المؤمنين غيرهن من النساء فليس في الحديث أن هذا كان بعد فرض الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل ذلك .
3/ ثم من قال بأن معنى ابتدرن الحجاب معناه لبسن الحجاب؟ !فالحديث يقول: (فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب) أي: قمن مبادرات إلى مكانٍ ليحتجبن فيه من عمر - رضي الله عنه - إذ إن الحديث يتحدث عن حجاب من جدار أو ما شابه.
فإن معنى "يبتدرن": أي يتسارعن، كما فسره العَيْنِيُّ في شرح البخاري، ومعنى ابتدارهن الحجاب: أنهن اختبأن وراء الستار عن عمر، وذلك لأنهن أجانب بالنسبة له.