يحكي لنا القرآن المشاهد الختامية في حياة قوم لوط - عليه السلام -، وكيف أنه تحصن بالله - سبحانه وتعالى - طالبًا النجاة له وللمؤمنين من أهله معه، وحق على هذه القرية ما أنذرهم به لوط - عليه السلام - من عذاب الله - تعالى -.
قال تعالى:
}رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ {(الشعراء: 169 - 172).
لما دعا لوط - عليه السلام - ربه قائلًا: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} جاء الجواب من قبل الله - تعالى -: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ{، }إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} وهي امرأته، وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت مع من بقي من قومها، وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأعراف، قال تعالى: }فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ (الأعراف: 83)، وقال تعالى: }إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ (العنكبوت: 33).
فليس للقرابة هنا اعتبار، وليس للنسب مزية وفضل، بل القضية عقيدة وإيمان أو كفر وعصيان، فمن آمن نجا، ومن كفر فقد هلك، والناس في ذلك سواء، لا تنفع قرابتهم شيئًا، كما قال تعالى في قصة نوح - عليه السلام - مع ابنه: }قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{ (هود: 46)، وكما جاء في قصة إبراهيم - عليه السلام - مع أبيه: }وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ{ (التوبة: 114).
وهكذا أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: "يا مَعْشَرَ قريشٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ مَنَافٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا،يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا". [صحيح الجامع: 7982].
وأنزل الله - عز وجل - على قوم لوط - عليه السلام - العذاب الذي عم جميعهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال تعالى: }ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ{، فقد أهلكهم الله - عز وجل - عن آخرهم، وتوعد كل الظالمين بعقوبة مماثلة، كما جاء في قوله تعالى: }فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ{ (هود: 82 - 83)، وقال في الأعراف:} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ{ (الأعراف: 84).
وامتن الله على عباده الموحدين في مقابلة كفر هؤلاء العاصين، فقال: }إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ{ (القمر: 34 – 35)، فقد نجا الله لوطًا - عليه السلام - وأهله من الكرب العظيم، جزاءً لهم على شكرهم لربهم، وعبادته وحده لا شريك له.