مدح الله - تعالى - نبيه لوط - عليه السلام - بثلاث خصال مجتمعة، وهي العلم والحكمة والصلاح، وهي صفات لأزمة لدعاة التوحيد وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام -.
قال تعالى:
}وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ{ [الأنبياء: 74 - 75].
قوله تعالى:
}وَلُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا{ أي: حكمة، أو نبوة أو فصْلاً بين الخصوم بالحق، وَعِلْمًا بِنَا وبما ينبغي علمه للأنبياء - عليهم السلام - من أمور الدين، وقواعد الشرع والملة، وأدخل التنوين على الحكم والعلم دلالة على علو شأن ذلك الحكم وذلك العلم، وهذا ثناء من الله - عز وجل - على رسوله لوط - عليه السلام - بالعلم الشرعي، والحكم بين الناس، بالصواب والسداد.
وقوله تعالى:
}وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ{: والخبائث جمع خبيثة، وهي الأفعال القبيحة كالكفر واللواط، وهذا ثناء من الله - تعالى - الذي أرسله إلى قومه، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عما هم عليه من الفواحش، فلبث يدعوهم، فلم يستجيبوا له، فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن آخرهم؛ لأنهم {قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} أي: مخالفين أمر الله، خارجين عن طاعته وما يرضى من العمل، حيث كذبوا الداعي، وتوعدوه بالإخراج، ونجا الله لوطًا - عليه السلام - وأهله، فأمره أن يسري بهم ليلاً ليبعدوا عن القرية، فسروا ونجوا، من فضل الله عليهم ومنته.
وهكذا أكمل له الإنعام بعصمته من مثل ما امتحن به قومه، ثم بخلاصه منهم بإخراجه إيّاه من بينهم، فميزه عنهم ظاهرًا وباطنًا.
وفي الآية إشارة إلى أن النجاة من الجليس السوء من المواهب، والاقتران معه من الخذلان.
وقوله تعالى:
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا}: التي من دخلها، كان من الآمنين، من جميع المخاوف، النائلين كل خير وسعادة، وبر، وسرور، قال مقاتل: الرحمة النبوة وقال ابن عباس والضحاك: إنَّها الثواب، وقيل الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح: "قال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي" (البخاري: 4850)، وذلك لأنه من الصالحين، الذين صلحت أعمالهم وزكت أحوالهم، وأصلح الله فاسدهم.
والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد، سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحًا، الأنبياء - عليهم السلام - ولهذا يصفهم بالصلاح، وقال سليمان - عليه السلام -: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
وهنا مقابلة واضحة، حيث نجاه الله - عز وجل - جزاء على صلاحه، كما أهلك قريته عقابًا على فسادهم.