قال الله تعالى:
}ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ{ (التحريم: 10).
تتحدث هذه الآية الكريمة عن نساء كافرات في بيوت أنبياء، وتشير إلى حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص، والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة، إن مبدأ التبعة الفردية في أمر العقيدة والتوحيد يراد إبرازه هنا.
كما يراد أن يقال لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواج المؤمنين كذلك: إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء، فهن مسؤولات عن ذواتهن، ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين.
يقول تعالى:
{ضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} ضربُ المثلِ في أمثالِ هذهِ المواقعِ عبارةٌ عن إيرادِ حالةٍ غريبةٍ ليعرفَ بها حالةٌ أُخرى مشاكلة في الغرابةِ أي جعلَ الله مثلًا لحالِ هؤلاءِ الكفرةِ حالًا ومآلًا.
وقوله تعالى: {امرأة نوح وامرأة لُوطٍ} أي حالَهُما {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحين} وهو تفصيل لحالِهِما الداعية لها إلى الخيرِ والصلاحِ، أي: كانتا في عصمةِ نبيينِ عظيمي الشأنِ متمكنين من تحصيلِ خيري الدُّنيا والآخرةِ وحيازةَ سعادتيهِما.
وقولُه تعالَى {فَخَانَتَاهُمَا} بيانٌ لما صدرَ عنهُما من الجنايةِ العظيمةِ مع تحقيق ما ينفيها من صحبةِ النبيِّ، أي: خانتاهُما بالكفرِ والنفاقِ.
فخيانة امرأة نوح وامرأة لوط - عليها السلام -، كانت خيانة في الدعوة، وليست خيانة الفاحشة، فقد كانت امرأة لوط تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه!
وهذا تصويرٌ لحالهِما المحاكيةِ لحالِ هؤلاءِ الكفرةِ في خيانتِهِم لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالكفرِ والعصيانِ مع تمكنهِم التامِّ من الإيمانِ والطاعةِ.
وقوله تعالى {فلم يغنيا} بيانٌ لما أدَّى إليه خيانتُهُما أي فلم يُغنِ النبيانِ {عَنْهُمَا} بحقِّ الزواجِ {مِنَ الله} أي من عذابه تعالى {شَيْئاً} أي شيئًا من الإغناء {وقيل} لهما عند موتهم أو يومَ القيامةِ {ادخلا النار مَعَ الداخلين} أي مع سائرِ الداخلينَ من الكفرةِ الذينَ لا وصلةَ بينهُم وبينَ الأنبياءِ - عليهِم السَّلامُ -.
إن المعلم الرئيس من معالم التوحيد الذي تؤكده هذه الآية الكريمة أنه لا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان، وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء!