في معلم بارز من معالم التوحيد في دعوة نبي الله شعيب - عليه السلام - ذكر قومه بنعم الله - عز وجل - عليهم وخوفهم من عقوبته التي تحل بالمعاندين لدعوة التوحيد، المكذبين للرسل، الصادين للمؤمنين عن الإيمان والطاعة لرب العالمين.
قال الله تعالى:
}وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ{ [الأعراف: 86].
}وَلا تَقْعُدُوا} للناس {بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و{تُوعِدُونَ} من سلكها، وكانوا إذا رأوا أحدًا يشرَع في شيء منها منعوه، وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولن لمن يريد شعيبًا - عليه السلام - إنه كذابٌ لا يفتنَنَّك عن دينك ويتوعدون لمن آمن به وقيل يقطعون الطريق.
{وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} من أراد الاهتداء به {وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي: تبغون سبيل الله تكون معوجة، وتميلونها إتباعًا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها الله لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة الله ومحادة لله، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها.
وهنا ينهاهم شعيب - عليه السلام - عن قطع الطريق الحسي والمعنوي، الحسي المتمثل في قطع الطريق وسلب الناس أموالهم، والمعنوي قطع الطريق على المؤمنين الذين يريدون اتباع طريق الهداية والصلاح.
ثم ذكرهم بأنعم الله - عز وجل - عليهم، فقال:
}وَاذْكُرُوا} نعمة الله عليكم {إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ} أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوًا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.
{وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}: فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرًا حسنًا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيًا وفضيحة.
كما ذكرهم بنعمة أخرى كما جاء في سورة الشعراء، فقال:
}وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ{ [الشعراء: 184]، أي: الخليقة الأولين، فكما انفرد بخلقكم، وخلق من قبلكم من غير مشارك له في ذلك، فأفردوه بالعبادة والتوحيد، وكما أنعم عليكم بالإيجاد والإمداد بالنعم، فقابلوه بشكره.
وفي الآية - أيضًا - تخويف لهم من بأس الله الذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل، كما قال موسى - عليه السلام - لقومه:} رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ{ [الدخان: 8].
وجاء نحو ذلك في سورة هود، فقال:
}إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ{ [هود: 84]، وقوله: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي: بنعمة كثيرة، وصحة، وكثرة أموال وبنين، فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله، فيزيلها عنكم.
{وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} أي: عذابًا يحيط بكم، ولا يبقي منكم باقية.
}بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} أي: يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير، وما هو لكم، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية، وهو ضار لكم جدًا.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فاعملوا بمقتضى الإيمان، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي:لست بحافظ لأعمالكم، ووكيل عليها، وإنما الذي يحفظها الله - تعالى -، وأما أنا، فأبلغكم ما أرسلت به.