إنَّ مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم؛ ولذلك تُضَاعَفُ الصلاة في مسجدَي مكة والمدينة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِن أَلْفِ صَلَاةٍ فِيَما سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ" (البخاري: 1190، ومسلم: 1394).
ومنها: شرف الزمان كشهر رمضان، قال جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، قال ابن كثير - رحمه الله -: "يمدح الله شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه، وكما اختصه بذلك قد ورد حديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء".
وثبت في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لِامْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ: "مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّينَ معنَا"؟ قالَتْ: كانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أبو فُلَانٍ وابنُهُ - لِزَوْجِهَا وابْنِهَا - وتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عليه، قالَ: "فَإِذَا كانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فإنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ حَجَّةٌ". (البخاري: 1782). (والنَّاضِحُ: ما استعمل من الإبل في سقي النخل والزرع).
وكان السَّلَفُ - رَحِمَهم اللهُ - يُسَمُّونَ العمرة في رمضان: الحج الأصغر؛ لأن المعتمر في رمضان إن عاد إلى بلده فقد أتى بسفر كامل للعمرة ذهابًا وإيابًا في شهر رمضان، فاجتمع له حرمة شهر رَمضانَ وحرمة العمرة، وصار ما في ذلك مِن شرف الزمان والمَكان، يناسب أن يعدَل بما في الحج مِن شرف الزمان - وهو أشهر الحج - وشرف المكان.
ومن أعظم ما تميز به رمضان أنه شهر يعتق الله فيه من النار في كل ليلة حتى إذا كانت آخر ليلة من رمضان أعتق الله فيها مثل الذين اعتقهم في طوال الشهر، قال رسول الله - صلى الله عليه سلم -: "إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ". (الترمذي: 682، وابن ماجه: 1642).
قال إبراهيم النَّخَعِيُّ: "صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة".
فلما كان الصيام في نفسه مضاعفًا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفًا على سائر الصيام لشرف زمانه وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها.
نسأل الله أن يوفقنا لعمل خالص متقبل، لا رياء فيه ولا سُمْعَة.