قال تعالى:
}وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ{ (هود: 93).
لما يئس نبي الله شعيب - عليه السلام - من استجابتهم له، ورأى إصرارَهم على الكفر وأنهم لا يرعوون عمَّا هُم عليهِ من المعاصي حتى اجترءوا على الاستهانةُ به والعزيمةُ على رجمه لولا حُرمةُ رهطِه قال لهم على طريقة التهديد:} وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ{، أي: طريقتكم، وعلى غاية تمكّنِكم واستطاعتِكم.
وإنما قاله - عليه السلام - ردًا لما ادَّعَوا أنهم أقوياءُ قادرون على رجمه وأنه ضعيفٌ فيما بينهم لا عزةَ له. أو على ناحيتكم وجِهَتكم التي أنتمُ عليها، والمعنى اثبُتوا على ما أنتُم عليهِ من الكفر والمشاقّةِ لي وسائرِ ما أنتم عليه مما لا خير فيه، وأبدلوا جهدكم في مضارتي وإيقاع ما في نيتكم وإخراج ما في أمنيتكم من القول إلى الفعلِ.
وقوله: }إِنِّي عَامِلٌ{ أي: على طريقتي حسبما يؤيدني الله - عز وجل - ويوفقني بأنواع التأييدِ والتوفيق.
وقوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} لما هدّدهم - عليه السلام - بقوله اعمَلوا على مكانتكم إني عاملٌ كان مظِنّةَ أن يسألَ منهم سائلٌ فيقولَ: فماذا يكون بعد ذلك؟ فقيل: سوف تَعْلَمُونَ {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ}، وقد وصَف العذابَ بالإخزاء تعريضًا بما أوعدوه - عليه السَّلامُ - به من الرجم، فإنه مع كونه عذابًا فيه خِزيٌ ظاهرٌ حيث لا يكون إلا بجناية عظيمةٍ توجبه.
}وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ}: عطفٌ على مَنْ يأتيه لا على أنه قسيمُه، بل حيث أوعدوه بالرجم وكذبوه قيل سوف تعلمون مَن المعذَّبُ ومن الكاذب وفيه تعريضٌ بكذبهم في ادعائهم القوةَ والقُدرةَ على رجمه - عليه السلام - وفي نسبته إلى الضعف والهوانِ وفي ادعائهم الإبقاءَ عليه لرعاية جانبِ الرهطِ، كأنه قيل سوف تعلمون أيُّنا يأتيه عذابٌ يُخزيه وأيُّنا كاذبٌ.
وقوله: }وارتقبوا} أي: وانتظروا مآلَ ما أقول {إِنّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} منتظرٌ، وفي قوله {معكم} إظهارٌ منه - عليه السلام - لكمال الوثوق بأمره، وقد علموا حقيقة ذلك حين وقع عليهم العذاب.
وفي سورة الشعراء قال الله - عز وجل -: }قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ{ (الشعراء: 188).
أي: نزول العذاب، ووقوع آيات، لست أنا الذي آتي بها وأنزلها بكم، وليس علي إلا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت، وإنما الذي يأتي بها ربي، العالم بأعمالكم وأحوالكم، الذي يجازيكم ويحاسبكم.