تعريف بأولي العزم من الرسل:
قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: 35]. يقول ابن عباس: "أولو العزم من الرسل محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام"([1])، وقد ذكر الله هؤلاء الخمسة مجتمعين في موطنين من كتابه العزيز:
الأول في سورة الأحزاب: قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[الأحزاب: ٧].
والثاني في سورة الشورى: قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيْه} [الشورى: ١٣].
قال القرطبي: "أولو العزم من الرسل هم: ذوو الحزم والصبر"([2])، "فوجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة، ومن أولي العزم من الرسل "([3]).
فأولوا العزم من الرسل: "هم الذين طال بلاؤهم في دعوة الحق، ولقوا من صنوف العناد والكفر ما لا يطيق الصبر عليه إلا عظماء الرجال"([4])، وهؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وخيار بني آدم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "خيار ولد آدم خمسة: نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وخيرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصلى الله وسلم عليهم أجمعين"([5]).
وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم- على ما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع"([6]).
فيا داعية التوحيد:
لابد من صبر على الدعوة إليه وتحمل الأذى في سبيل استنقاذ من وقع في طواف بأضرحة أو سجود عند عتبات ولي أو مستغيث بأموات أو متوسل بشيخ طريقة أو نحو ذلك.
المحور الأول: التعريف بنوح عليه السلام
يقول ابن كثير: "هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس - ابن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام، وكان مولده بعد وفاة آدم بمئة وست وعشرين سنة، وكان بينهما عشرة قرون. والمراد بالقرن مئة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس- فبينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر من ذلك، باعتبار ما قيَّد به ابن عبَّاس بالإسلام، إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام، فعن ابن عبَّاس قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام"([7]).
ونوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عُبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد، فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض، كما يقول أهل الموقف يوم القيامة"([8]).
وهو من أولي العزم من الرسل، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[الأحزاب: ٧]. وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيْهِ}[الشورى: ١٣].
ومكث يدعو قومه للتوحيد تسعمائة وخمسين سنة، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت: ١٤]. فهو أطول نبي مكث يدعو قومه للتوحيد.
([1]) الدر المنثور1/454.
([2]) الجامع لأحكام القرآن 16/220.
([3]) فتح القدير 4/375.
([4]) من لطائف التفسير 3/ 137.
([5])أخرجه البزار، انظر كشف الأستار (3 / 114)، والهيثمي في المجمع (8 / 255) وقال: «رجاله رجال الصحيح» ، والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، المستدرك للحاكم: 2 / 546.
([6])أخرجه مسلم برقم (2278)، وأبو داود:برقم (4673).
([7]) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التاريخ، 2/546، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 1/101، وعزاه إلى البخاري، وانظر: فتح الباري 6/372.
([8]) البداية والنهاية 1/101.