SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
مع الأنبياء

(سلسلة الدعوة إلى التوحيد في دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)

التوحيد في دعوة نوح (عليه الصلاة والسلام) (2من9)

بتاريخ: 2020-12-29 06:39:35

اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

التوحيد هو دين البشرية قبل وقوع الشرك

قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[البقرة: ٢١٣].

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم علي شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([1]).

وبنو آدم –عليه السلام- كانوا على ملة أبيهم آدم نحو عشرة قرون، فعن عياض ابن حمار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرَني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزّل به سلطانا...". الحديث بطوله([2]).

فقوله تعالى: "واني خلقت عبادي حنفاء كلهم" قيل: "الحنف هو إقبال القدم وميلها إلى أختها، فالحنف الميل عن الشيء بالإقبال على آخر، والدين الحنيف هو: الإقبال على الله وحده، والإعراض عما سواه، وهو الإخلاص الذي ترجمته كلمة الحق والكلمة الطيبة لا إله إلا الله"([3])، قال تعالى: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}[الحج: ٣٠ - 31]. قال السعدي: "أمرهم أن يكونوا {حُنَفَاء لِلَّهِ} أي: مقبلين عليه وعلى عبادته، معرضين عما سواه."([4]). ففطرة الله تعالى هي التوحيد كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"([5]). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأخبر أنه خلقهم حنفاء، وذلك يتضمن معرفة الرب، ومحبته، وتوحيده، فهذه الثلاثة تضمنتها الحنيفية، وهي معنى قول: (لا إله إلا الله)"([6]).

وقوله تعالى: {وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم} أي: "استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل، وقيل: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها"([7]).

المحور الثالث: دخول الشرك في قوم نوح

كتاب الله ينبئ عن قوم نوح أنهم كانوا أهل أوثان، وذلك أن الله عز وجل يقول مخبراً عن نوح: {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}[نوح: ٢١ – ٢٤].

وعلى ذلك فقوم نوح عليه السلام كان شركهم في الألوهية، حيث عبدوا غير الله تعالى من الأوثان الأصنام.

وأول ما ظهر الشرك في قوم نوح على المشهور، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم علي شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([8]).

فقد زين الشيطان -لعنه الله- لقوم نوح عبادة الأصنام، وكان أول ذلك أن زين لهم تعظيم القبور والعكوف عليها، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت"([9]).

وعن مُحَمْد بن قيس قال: "كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم. فلما ماتوا وجاء آخرون دبَّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسقون المطر، فعبدوهم"([10]).

قال ابن أبي حاتم: ذكروا عند أبي جعفر -هو الباقر- وهو قائم يصلي؛ يزيد ابن المهلب، قال فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عُبد فيها غير الله تعالى. "قال ذكر وداً قال: كان رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم. فصور لهم مثله، قال: فوضعوه في ناديهم، وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. قال: فمثَّل لكل أهل بيت تمثالا مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به. قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به، قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم، فكان أول ما عُبد غير الله "وَد" الصنم الذي سموه وَداً"([11]).

فمقتضى هذه الروايات يدل على أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس. وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. قال في معارج القبول: "فلو جاءهم الشيطان وأمرهم من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوه، بل أمر الأولين بنصب الصور لتكون ذريعة للصلاة عندها ممن بعدهم، ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم"([12]).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، ويقال لها مارية، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل"([13]). يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "إن من أسباب الوثنية وأصلها أنه كان في القوم الذين أرسل الله إليهم نوحا -عليه السلام- رجال صالحون على دين الفطرة القديم، فلما ماتوا وضعوا لهم أنصاباً تمثلهم ليتذكروهم بها ويقتدوا بهم، ثم صاروا يكرمونها لأجلهم، ثم جاء من بعدهم أناس جهلوا حكمة وضعهم لها، وإنما حفظوا عنهم تعظيمها وتكريمها، والتبرك بها تديناً وتوسلا إلى الله، فكان ذلك عبادة لها، وتسلسل في الأمم بعدهم، فعلى هذا الأصل الذي بُنيت عليه الوثنية يبني المضلون شبهاتهم على جميع أنواع العبادة التي عبدوا بها غير الله، فشُبهتهم هي: تعظيم المقربين من الله للتقرب بهم إليه"([14]).

وباختصار: فقد دخل الشرك في قوم نوح عن طريق الغلو في الصالحين.

 

([1])  تفسير الطبري (4/275)، والمستدرك (2/546)، قال: صحيح ولم يخرجاه.

([2]) صحيح مسلم، كتاب الجنة والنار، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (2865).

([3]) مجموع الفتاوى 9/319.

([4]) تفسير القرآن العظيم5/424.

([5]) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين (1385)، ومسلم في القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (2660).

([6]) مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير 4/338).

([7]) شرح النووي على مسلم 17/ 197.

([8])  تفسير الطبري (4/275)، والمستدرك (2/546)، قال: صحيح ولم يخرجاه.

([9])  صحيح البخاري رقم (4920).

([10])  تفسير الطبري (29/62).

([11])  تفسير ابن أبي حاتم 12/339.

([12])  معارج القبول جـ1 / 422.

([13])  صحيح البخاري برقم(427)، ومسلم (528).

([14])  تفسير القرآن الحكيم 8/ 20.

مرات القراءة: 1041

مرات الطباعة: 65

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك