SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
مقالات وبحوث

التحذير من السحر والسحرة

بتاريخ: 2017-02-17 23:17:21

الإمام العلّامة عبدالعزيز بن باز (رحمه الله)

 لا شك أن تصديق السحرة والمنجمين والرمالين ونحوهم وسؤالهم لا يجوز؛ لأنهم يدعون علم الغيب بأشياء يتخذونها ويلبسون بها على الناس؛ من الخط في الأرض، أو ضرب الحصى، أو قراءة الكف، أو السؤال عن برج فلان وفلان، وأنه سيموت له كذا وكذا، أو يذكرون له اسم أمه وأبيه، وأنه إذا كان في وقت كذا كان كذا، وكل هذا باطل، وهو من أعمال المنجمين والسحرة والكهان والمشعوذين، فلا يجوز تصديقهم ولا سؤالهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن سؤالهم وتصديقهم، فقد ثبت أن معاوية بن الحكم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عندنا كهاناً، قال: "لا تأتوهم"، قال: وإن منا أناساً يتطيرون، قال: "ذلك شيء يجده أحدكم في صدره فلا يصدنكم"، وقال صلى الله عليه وسلم:  "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" خرجه مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك" قالها ثلاثاً.

فبين عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمور من أعمال الجاهلية التي يجب اجتنابها وطرحها والحذر منها، وأن لا يؤتى أهلها ولا يسألوا ولا يصدقوا؛ لأن إتيانهم وسؤالهم فيه رفع لشأنهم، ويسبب شيوع أمرهم في البلاد، وتصديق الناس لهم فيما يقولون من الأمور الباطلة التي لا أساس لها، ويسبب بعضها وقوع الشرك، وأنواعا من الباطل والمنكرات، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تسترق السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من السماء مما تتحدث به الملائكة فيكذبون معها مائة كذبة، فيصدقهم الناس بكذبهم بسبب تلك الكلمة التي استرقوها، فيجب على ولاة الأمور الإنكار عليهم، وعقابهم بما يستحقون شرعاً، وأعظم من ذلك من ادعى علم الغيب فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، كما قال عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ..} (الآية من سورة النمل).

ولما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال:  "ما المسؤول بأعلم من السائل"، والمعنى أني لا أعلمها أنا ولا أنت، قال سبحانه في سورة الأعراف: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وقال سبحانه في سورة النمل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ..} الآية، وقال سبحانه في سورة النازعات: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وهكذا السحرة يدعون علم الغيب ومن شأنهم التلبيس على الناس، فالواجب قتلهم من غير استتابة على الصحيح. وقد وجد في عهد عمر رضي الله عنه ثلاثة من السحرة، وسئل عنهم، فأمر بقتلهم جميعاً؛ لأن السحرة ضررهم عظيم مع دعواهم علم الغيب، فيضرون الناس كثيراً.

ومن أعمالهم الخبيثة: الصرف، والعطف، والتفريق بين الزوجين والأقارب، بما يفعلون من أعمال السحر وأنواعه الذي يضر الجميع، ويبغض هذا لهذا وهذا لهذا، مما يتلقونه من الجن والشياطين ويخدمونهم به، فالجن تخدم الإنس، والإنس تخدم الجن. فالجن تخدم الإنس بإخبارهم ببعض الحوادث في البلدان القريبة والبعيدة، وتعينهم على ظلم الناس، والإنس تخدم الجن بعبادتهم من دون الله، ودعائهم، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك. وهذا هو استمتاع بعضهم ببعض المذكور في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ..}.

فعلى ولاة الأمور من الأمراء والعلماء أن يمنعوا الشرور التي تقع في بعض البلدان من السحرة والمنجمين والكهنة، وأن يجعل في الناس من يسأل عنه حتى يقضى عليهم، فالذي يستحق القتل يقتل، والذي يستحق الحبس يحبس حتى يسلم الناس من شرهم، ولا يجوز التستر عليهم؛ لما يتعلق بوجودهم من الخطر العظيم والشر الكثير، وقد يعالج بعضهم الناس بالطب العربي وهو يكذب عليهم، ليعالجهم بالشعوذة وخدمة الجن، وعبادة الجن من دون الله، فينجح مرة ويفشل مائة مرة، وهذا كله من التدليس والتلبيس على الناس وإدخال الشر عليهم، فبعضهم يقول: هات اسم أمك، هات كذا، هات كذا، وأنا أعرف مرضك وأعطيك الدواء المناسب، فيأخذون الأموال الكثيرة ثم لا يفيدونهم بشيء، ولو أفادوهم لم يكن ذلك مسوغاً للمجيء إليهم وسؤالهم ولا تصديقهم، فالشيطان قد يعرف دواء المرض لكن خطره وشره أخطر وأعظم.

فالحاصل: أن الاستفادة منهم في بعض الأحيان لا تسوغ المجيء إليهم ولا سؤالهم، ولو زعم بعض الناس أنهم يفيدونهم وأنهم يعالجون المرض بالطب الشعبي ما داموا قد عرفوا أنهم كهان أو سحرة أو مشعوذون، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له".

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، وكانوا موجودين في الجاهلية، فقد كان أهل الجاهلية يتحاكمون إليهم ويسألونهم عن علم الغيب؛ لجهلهم وضلالهم، وقد أغنى الله تعالى المسلمين عن ذلك بما شرع الله لهم من الأحكام وبما أباح لهم من الرقية الشرعية، والأدعية، والأدوية المباحة، وقد بين كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك، وجعل الله لهم الشرع حاكماً بين الناس يرجعون إليه في كل شيء، فلا حاجة لهم إلى الكهنة، ولا إلى المشعوذين والعرافين والسحرة الذين يتعلمون أشياء يضرون بها الناس، ويفرقون بها بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله جل وعلا، كما قال سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ..}، فهذه الأشياء السحرية قد تقع لكن بإذن الله ومشيئته سبحانه وتعالى، لا يقع في ملكه ما لا يريد جل وعلا، وإن كانت هذه الأشياء تجري بمشيئة الله وقدره، فيجب أن نعالج قدر الله بقدره، ويجب أن نحارب كل الشرك والمعاصي، مع العلم بأنه لا يقع شيء منها إلا بمشيئته جل وعلا، ولكنه سبحانه شرع لنا أن نحاربها، وأن نمتنع منها، وأن تقام فيها الحدود الشرعية.

فالواجب على العلماء وولاة الأمور أن يحاربوا ما حرم الله ورسوله بما شرع الله من إقامة الحدود والتعزيرات بما يقضي على وجود المنكرات والكفر والضلال.

___________________

الموقع الرسمي للعلامة عبدالعزيز بن باز (رحمه الله).

مرات القراءة: 1128

مرات الطباعة: 25

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك