SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
مع الأنبياء

معالم التوحيد في دعوة إبراهيم عليه السلام (5)

معالم التوحيد في دعوة إبراهيم عليه السلام
معالم التوحيد في دعوة إبراهيم عليه السلام

بتاريخ: 2020-12-16 05:56:26

اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

بذل نبي الله إبراهيم -عليه السلام- جهده في النُّصْح لأبيه وقومه ودعوتهم إلى التوحيد ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، إذ لجأ إلى أساليب متنوعة ووسائل شتى، أملًا استجابتهم لهذه الدعوة الطيبة، وشفقة منه عليهم من هاوية الشرك وظلمات الكفر بالله عز وجل، وإنقاذًا لهم من المآل المحتوم لكل من مات على غير ملة التوحيد.

أول هذه الوسائل تمثلت في الحوار الإقناعي، وقد سجل القرآن الكريم أنموذجًا لحواره مع والده بتفاصيله الدقيقة، قال تعالى:

}وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {[مريم:41-47].

ولعلك تلحظ من ثنايا هذا الحوار التلطف الذي بدأ به إبراهيم -عليه السلام- حواره بأن نادى على آزر بلطف ملحوظ }يَا أَبَتِ{، استمالة لنفسه النافرة، وترقيقًا لقلبه الغليظ، واستجلابًا لوعيه المفقود.

ثم ألمح له في لفته معبرة أن هذا الذي يعبده }لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ{، فأنّا لعاقل أن يعبد شيئًا كهذا لا سمع له ولا بصر، فكيف إذن يدرك حاجه من يناديه، أو يرى من يناجيه، فضلًا عن أن يكون قادرًا على الاستجابة لهذه الحاجات.

ثم انتقل معه في الحوار إلى ذاته..إلى نفسه التي بين جنبيه..وخاطب فيه حاجته وغريزته البشرية التي يعزوها من ينفعها ويدفع عنها }وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا{..فما وجه الفائدة التي تعود عليك من عبادة شيء كهذا لا نفع له، إذ لا يأتي بالخير ولا يدفع الضر؟!

 ولم يتركه في حيرة من أمره، بل دله على الطريق..طريق التوحيد الذي فيه من يسمع ويبصر ويجلب النفع ويدفع الضر، الطريق الذي يسير فيه بـ }الْعِلْمِ{، خلافًا لما هو عليه من ضلال وتخبط في ظلمات الشرك..إنه }صِرَاطًا سَوِيًّا{ لا اعوجاج فيه.

ثم عاد به مرة أخرى إلى معبوداته الباطلة التي هي في حقيقتها عبودية للشيطان..نعم عبودية للشيطان..الشيطان الذي يدرك الإنسان بفطرته وغريزته أنه عدو..فهو على الحقيقة لا يعبد أصنامًا، بل يعبد شيطانًا رجيمًا، }كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا{.

فأي عقل هذا الذي يجعل الإنسان يعبد عدوه وإن تمثل في صورة صنم أو وثن!

وأي عقل يُملي على الإنسان أن يعبد الشيطان ويترك عبودية الرحمن!

وأي عقل يُحب أن يكون صاحبه قرينًا للشيطان في معصية الرحمن بالإصرار على الشرك وعبادة الأوثان!

ثم تأتي اللحظة الفاصلة في الحوار والحديث عن المآل والمرجع والمصير، فإني أخاف عليك أن }يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ{ لو أعرضت عن الاستجابة لدعوة التوحيد وتنكبت السير على الصراط المستقيم، وأصررت على السير في طريق الشيطان الذي ستكون له وليًا حميمًا بعبادتك إياه.

هذا الحوار الذي يفيض شفقه بدلالته وألفاظه }يَا أَبَتِ -فَاتَّبِعْنِي -أَهْدِكَ -أَخَافُ{ كان حريًا بالطرف المقابل أن يتأمله ويُمعن فيه النظر، لاسيما وأنه جاء خاليًا من أيه منافع مادية أو شخصية، فقط دعوة لُحمتها وسُداها الخوف عليه من العاقبة التي تنتظر كل من مات على غير ملة التوحيد.

ولكنه الاستكبار والعناد والجهل الذي يقود إلى اتهام لا دلالة له }أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ{، فهو لم يناقش ويحاور بل قفز إلى اتهام مباشر برغبة إبراهيم في ترك آلهته! ولم يعرض للأسباب ولا المبررات التي ساقها إبراهيم -عليه السلام- والموجبة لترك عبادة هذه الأوثان.

وقد قدم آزر هذا الاتهام ليبني عليه وعيده الغليظ الجافي }لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا{، فلا سبيل لاستئناف الحوار أو التفكير، بل أمر لم يترك مجالًا للمناقشة بأن يتوقف إبراهيم -عليه السلام- عن هذه الدعوة وهذا الحوار وإلا فلينتظر الرجم والهجر!

وكان في مقدور إبراهيم –عليه السلام- أن يقابل هذا الجفاء بالإعراض، ولكنها شفقة النبي الداعي إلى التوحيد الذي لا ينظر إلى تهديدات شخصية، أو اعتبارات نفسية، ولا يصده عن دعوته شيء، فهو لا يحمل سوى السلام، }سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي{، ففي مقابلة التهديد من آزر يأتي من إبراهيم عليه السلام، وفي مقابلة الوعيد يأتي من إبراهيم عليه السلام الوعد بطلب الاستغفار من الله لأبيه الجاحد.

لقد انتهى الحوار، نعم، ولكن الدعوة إلى التوحيد مستمرة لا تتوقف، إذ يلجأ إبراهيم –عليه السلام- لوسيلة أخرى لعلها تفلح في إنقاذ أبيه وقومه من هاوية الشرك، وتأخذ بأيديهم ونواصيهم إلى ملة التوحيد.   

مرات القراءة: 810

مرات الطباعة: 71

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك