ينشغل الشباب والفتيات - لاسيما في فترات الإجازة الدراسية - بكثير من الملهيات التي تضيع أوقاتهم سدى، وكأنهم يريدون حقًّا قتل أوقاتهم التي هي أثمن ما لدى المرء في هذه الحياة الدنيا.
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فتراهم يقلبون أعينهم في شاشات الجوال الساعات الطوال، لا يلوون على شيء سوى التخلص من أوقاتهم، وشغل فراغهم، ولا يظفرون منها بشيء ذي بال، غير مبالين بأن لحظاتهم تلك الضائعة هي حياتهم التي سيُسألون عنها.
وإذا ما فرغوا من ساعات الجوال قضوا أخرى أمام وسائل التواصل الاجتماعي، في أحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تزيد أوجاعهم، وكثيرًا ما تنغص عليهم معايشهم، وتكدِّرُ صفو حياتهم بما تجلبه إليهم من حزن وضيق.
وهم لا ينسوون في زحمة انشغالهم بقتل أوقاتهم الأفلام والمسلسلات والبرامج والمباريات وغيرها مما يبث على مدار اليوم كاملًا على شاشات التلفاز، فتراهم يتنقلون من قناة إلى أخرى أملًا في أن يمضي الوقت!
أما يدرك شبابنا وفتياتنا أن الوقت هو الحياة!
أما يدرك شبابنا وفتياتنا أنهم بضياع أوقاتهم يضيعون أعمارهم!
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه * * * وأراه أسهل ما عليك يضيع
إن الحفاظ على الوقت واستغلاله هو مسئولية عظيمة مُلقاة على أعانقكم أيها الشباب وأيتها الفتيات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ ما عملَ بِهِ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ، وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ" (أخرجه الترمذي (2417)، والدارمي (537) ).
تمر بنا الأيام تترى وإنما * * * نُساق إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى * * * ولا زائل هذا المَشِيبُ المكدَّرُ
فهلا كان لدى كل شاب وفتاة خطة لاستغلال فترات الإجازة الدراسية فيما يعود عليه وعلى أسرته وأمته بالنفع!
- باستطاعتك أن تضع خطة لحفظ القرآن الكريم كاملًا..
- باستطاعتك أن تضع خطة لحفظ متن في التوحيد.. -
- باستطاعتك أن تضع خطة لحفظ مائة حديث نبوي صحيح..
- باستطاعتك أن تتعلم مهنة أو حرفة تكسب منها قوت يومك..
فهذه النعم التي منحك الله إياها من صحة الشباب ووقت الفراغ يغبن فيهما كثير من الناس، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ:الصِّحَّةُ والفراغُ" (البخاري:6412).
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قُربَةٍ، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل". (صيد الخاطر: ص33).
قال تعالى: }وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {[ البقرة: 148] أي: تسابقوا، وهو أبلغَ من الأمر بالمسارعة لما فيه من الحث على إحراز قصَبِ السبْقِ. والمرادُ بالخيرات جميعُ أنواعِها من أمر القِبلة وغيرِه مما يُنال به سعادةُ الدارين. [تفسير أبي السعود:ص1/177].
"فمن أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجد أثَّلَه - ورَّثه - أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عَقَّ يومه، وظلم نفسه". (أدب الدنيا والدين للماوردي :ص57)