قال الله تعالى:
}وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ [لقمان:13].
يقول تعالى مخبرًا عن لقمان، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف؛ ولهذا أوصاه أولًا بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، والذي من لوازمه القيام بالتوحيد، ثم قال محذرًا له: إن الشرك لظلم عظيم، أي هو أعظم الظلم.
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال:
لما نزلت }الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ{ [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا:أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان }يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{" (البخاري:6918).
وعن المسيّب: أن عمر بن الخطاب قرأ: } الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ{،فلما قرأها فزع، فأتى أبيّ بن كعب فقال: يا أبا المنذر، قرأتُ آية من كتاب الله، مَنْ يَسْلم؟ فقال: ما هي؟ فقرأها عليه. وقال: فأيُّنا لا يظلِمُ نفسه؟ فقال: غفر الله لك! أما سمعت الله تعالى ذكره يقول: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟ إنما هو: ولم يلبسوا إيمانهم بشرك.
ووجه كونه عظيمًا، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئًا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟!
وهل أعظم ظلمًا ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، فجعلها في أخس المراتب، جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئًا، فظلم نفسه ظلمًا كبيرًا.
فهم قد ظلموا ظلمًا عظيمًا؛ حيث لم يقبلوا شهادة وحدانية اللَّه وألوهيته فيما جعلها في خلقتهم وبنيتهم؛ إذ جعل في خلقة كل أحد الشهادة على وحدانيته وربوبيته، وذلك أعظم الظلم وأفحشه.
وظلموا أنفسهم؛ ظلمًا عظيمًا حيث وضعوها في غير موضعها، وأوقعوها في المهالك، بعدما صورها ربها أحسن تصوير ومثلها أحسن تمثيل، وأعظم الظلم من عمل وسعى في هلاكها.
وإنها لعظة غير متهمة فما يريد الوالد لولده إلا الخير وما يكون الوالد لولده إلا ناصحًا.
فلقمان الحكيم ينهى ابنه عن الشرك لأنه ظلم عظيم، ويؤكد هذه الحقيقة مرتين: مرة بتقديم النهي وفصل علته، ومرة بإنّ واللام.
وهذه هي الحقيقة التي يعرضها محمد - صلى الله عليه وسلم - على قومه، فيجادلونه فيها ويشكون في غرضه من وراء عرضها ويخشون أن يكون وراءها انتزاع السلطان منهم والتفضل عليهم!
فما القول ولقمان الحكيم يعرضها على ابنه ويأمره بها؟ والنصيحة من الوالد لولده مبرأة من كل شبهة، بعيدة من كل ظنة؟
ألا إنها الحقيقة القديمة التي تجري على لسان كل من آتاه اللّه الحكمة من الناس يراد بها الخير المحض، ولا يراد بها سواه ..