قال الله تعالى:
} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{. [يونس: 104]
تبدأ الآية الكريمة بنداء {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ{، وقد أوثر الخطاب باسم الجنس مصدرًا بحرف التنبيه تعميمًا للتبليغ وإظهارًا لكمال العناية بشأن ما بلغ إليهم.
ثم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين:
} إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} أي: في ريب واشتباه، فإني لست في شك منه، بل لدي العلم اليقيني أنه الحق، وأن ما تدعون من دون الله باطل، ولي على ذلك، الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة.
والتعبير عما هم فيه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأن أقصى ما يمكن عروضه للعاقل في هذا الباب هو الشك في صحته، وأما القطع بعدمها فمما لا سبيل إليه. أو إن كنتم في شك من ثباتي على الدين فاعلموا أني لا أتركه أبدا.
ولهذا قال تعالى:
{فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من الأنداد، والأصنام وغيرها، لأنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تدبر شيئًا من الأمور، وإنما هي مخلوقة مسخرة، ليس فيها ما يقتضي عبادتها، فادعوها فلتضرني فإنها لا تضر ولا تنفع، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له.
وتقديم ترك عبادة الغير على عبادته تعالى لتقدم التخلية على التحلية كما في كلمة التوحيد وللإيذان بالمخالفة من أول الأمر.
ووجههم إلى أن ما عليه هو - خلاصته - إخلاص العبادة لمن بيده الإيجاد والإعدام دون ما هو بمعزل منهما من الأصنام فليعرضوها على عقولهم، وليجيلوا فيها أفكارهم، ولينظروا فيها بعين الإنصاف ليعلموا أنه حق لا ريب فيه.
ويقول - سبحانه وتعالى -:
{وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} أي: هو الله الذي خلقكم، وهو الذي يميتكم، ثم يبعثكم، ليجازيكم بأعمالكم، فهو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويخضع ويسجد.
وإبراز هذه الصفة للّه هنا له قيمته وله دلالته، فهو تذكير لهم بقهر اللّه فوقهم، وانتهاء آجالهم إليه، فهو أولى بالعبادة من تلك الآلهة التي لا تحيي ولا تميت.
ثم يقول - سبحانه وتعالى -:
} وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ بما دل عليه العقل ونطق به الوحي، وهو تصريح بأن ما هو عليه من دين التوحيد ليس بطريق العقل الصرف بل بالإمداد السماوي والتوفيق الإلهي.
ومن يتأمل سيجد هذه الآيات الكريمات هي خواتيم سورة يونس، وخاتمة المطاف لتلك الجولات حول العقيدة في مسائلها الرئيسية الكبيرة: توحيد الربوبية والقوامة، ونفي الشركاء والشفعاء، ورجعة الأمر كله إلى اللّه، وسننه المقدرة التي لا يملك أحد تحويلها ولا تبديلها، والوحي وصدقه، والحق الخالص الذي جاء به، والبعث واليوم الآخر والقسط في الجزاء.
هذه القواعد الرئيسية للعقيدة التي دار حولها سياق السورة كله، وسيقت القصص لإيضاحها، وضربت الأمثال لبيانها.
ها هي ذي كلها تلخص في هذه الخاتمة، ويكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنها للناس إعلانًا عامًا، وأن يلقي إليهم بالكلمة الأخيرة الحاسمة: أنه ماض في خطته، مستقيم على طريقته، حتى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين.