SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
كلمة الموقع

الطريق إلى العِزَّة.. في معية الكبير المتعال

في زمن تجبرت فيه المادة، وألقت بثقلها على قلوب الناس وأحاسيسهم، واغتر الإنسان بما حققه من كشوف ومخترعات، وبما بين يديه من أجهزة وأدوات، يعتري القلوب ما يعتريها من جفوة البعد عن الخالق، والتعلق بالأسباب دون مسببها، وينتاب النفوس ما ينتابها من ضعف الإحساس بحاجتها للرب الكريم، والإله العظيم، الذي خلقها فسواها، وألهمها فجورها وتقواها.

ما الإنسان وما قوته وما حيلته، إذا استدرجه الشيطان بعيدا عن خالقه؟! ما الإنسان إذا احتوشته أحاسيس الغربة عن ربه والبعد عن ولي نعمته؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلـم موجها أصحابه حينما رفعوا أصواتهم بالتكبير: "يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"

إنها حقيقة عظيمة، لو استيقنها هذا المخلوق لتغيرت حياته، ولتبدلت مشاعره.. ربك أدنى إليك من عنق راحلتك، بل ربك أدنى إليك من ذلك: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}

هكذا يجد الإنسان نفسه مكشوفة أمام خالقه، لا يحجبها ستر، ولا يفصلها عنه شيء، يعلم خائنة عينيك وما يخفيه صدرك، يعلم سرك وما هو أخفى، فأنت بضعفك وهفواتك، وعثراتك وثغراتك.. أنت بغدراتك وحاجاتك.. في قبضة خالقك، وتحت سمعه وبصره، لا يفوتك منه حركة ولا سكون، ولا لحظ ولا لفظ، ولا فكرة ولا هاجسة.. خلجة قلبك مثل خطوة قدمك، وسوسة صدرك مثل صرخة شدقيك، الكل في سمع الله سواء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

تقول عائشة رضي الله عنها: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلـم، وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}"، فالله الكبير المتعال، القهار المتكبر، مالك السماوات والأرض ومدبر أمرها، يسمع شكوى امرأة من عامة الناس، ويفصل في قضية صغيرة لأسرة فقيرة مغمورة، فما أقرب الله لخلقه! ما أسمع الله لشكواهم ونجواهم! ما أعظم إحاطته بشؤونهم، جليلها وصغيرها!! فهل وعت قلوبنا قرب خالقها منها، وإحاطته بها، وقدرته عز وجل على غوثها ونجدتها، حال عسرها وشدتها؟ هل تلفتت له القلوب إذا نابتها النوائب، وحزبتها الخطوب؟ هل تؤوب له النفوس إذا تاهت في دروب المعاصي، واحتوشتها الذنوب؟ هل يحس بقربه المريض إذا مضته الأسقام؟ هل يأوي إليه الفقير إذا ضامته الأيام؟!

مجيبَ السائلينَ حملتُ ذنبي                وسرتُ على الطريقِ إلى حِماك

ورحتُ أدقُّ بابَك مستجيرًا                  ومعتذرًا ومنتظرًا رِضاكَ

دعوتُك يا مُفَرِّجَ كلِّ كربٍ                  ولستَ تردُّ مكروبًا دعاكَ

فإذا نابتك شدة شديدة، أو خوف عظيم، أو كرب أليم، فافزع إلى القوي العظيم، فإنه أقرب إليك من كل قريب، وأسرع إليك من كل مجيب، فقد كان عليه الصلاة السلام إذا حزبته الخطوب، وأحاطت به الكروب، يرفع رأسه فيقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وأن عبدك وابن أمتك  إلا أذهب الله همه"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح".

فمهما أوهمك الشيطان بعدك عن ربك، وشيد بينك وبينه من حواجز الذنوب، وسدود الغفلة والغرور، فإن ربك قريب منك، يقبلك إذا أقبلت، ويحبك إذا أنبت، ويسمعك إذا دعوت، ويرى دمعتك إذا بكيت، ويسمع رجفة فؤادك إذا خشعت أو رجوت.

يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، ما أشغلك عن ربك العظيم، ما أنساك خالقك الرحيم، هل غرتك قوتك، أو أخجلتك ذنوبك، أم نسيته فأنساك نفسك.

كم نركض في كل اتجاه لجمع دنيانا، كم نكد عقولنا في المسائل العلمية والقضايا الفكرية اليابسة، لكننا قلما ننطرح بين يدي خالقنا لننال ما لم ننله، وندرك ما لم نقدر عليه.

كم نلقي بحوائجنا على أعتاب المديرين والوجهاء، ونقدم بين أيديهم المدائح والثناء، كم نعول على علاقاتنا وقدراتنا، واحتيالنا لأنفسنا وننسى قدرة الله، ننسى قدرته سبحانه على دفع ما لا نحب، وجلب ما أردناه

فالدعاء والخضوع والتضرع لحظة اتصال بين المخلوق الضعيف، والخالق القوي القادر، بين الفقير المعدم والغني القاهر، بين الذليل القليل والعزيز الذي له خزائن السماوات والأرضين، ولكن المنافقين لا يفقهن

في لحظة الدعاء الصادق، والضراعة المخبتة، نتحل القيود وتزاح الحجب بين المخلوق وخالقه، ويخضع القلب تذللا وتحببا، وخشوعا وإنابة، ورغبة ورهبة، ومن أنت أيها الإنسان لولا دعاء ربك؟ {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}.

       إن الدعاء اللحوح الصدوق، المتفجر في خفية عن أعين الناس وأسماعهم، الممزوج بدموع القلوب الوجلة التائبة المتحرقة حبا له، المطرقة إجلالا لكبريائه، المعترفة بفضله وقوته، ذلك الدعاء هو الطريق لعمارة القلوب وإصلاحها، وهو السبيل لحماية المجتمع من الوقوع في تعظيم الحقير وتهويل العظيم، وهو النهج الذي تصون به الأمة توحيدها وإجلالها لربها الجليل العظيم.

فألحوا على خالقكم بالدعاء، فإنه يحب الملحين، وأرفعوا إليه أيدي النجوى، ولا تعتدوا فإنه لا يحب المعتدين.

مرات القراءة: 1049

مرات الطباعة: 19

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك