SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
كلمة الموقع

بيعة

خبرٌ نزل من السماء عظيم، وبشارة انفرجت على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في ظرف عصيب، وساعة حرجة شديدة..نزل الخبر المفرح في طيات قوله الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح: 18]

ولسنا بصدد سرد عزوة الحديبية وفتحها العظيم الذي تنزلت به هذه الآية، لكننا سنقف فقط عند هذا الموقف الجليل العظيم، وتلك اللحظة الحاسمة، تلك اللحظة المترعة بروح البطولة والصدق والثبات والإيمان، الذي تجلى في موقف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يوم أن خرج الرسول عليه الصلاة والسلام معهم، آمِّين البيت الحرام يريدون العمرة لا يريدون سواها، فإذا به عليه الصلاة والسلام يفاجأ بفرسان قريش قد رابطوافي السبيل الرئيسة المؤدية لمكة، وقد أزمعوا صد النبي صلى الله عليه وسـلم وأصحابه، وحرمانهم من العمرة التي جاؤوا إليها بعد سنين من الغربة والنوى والاشتياق.

توقف النبي صلى الله عليه وسـلم، ثم بعث عثمان بن عفان يفاوض قريشا حول الأمر، وكان عثمان رضي الله عنه سيدا شريفا ذا منعة في قومه، لكن عثمان تأخر، والمؤمنون من خلفه ينتظرون ما يأتي به من جواب، وفي هذه الأثناء أُشيع أن قريشا قتلت عثمان.

بلغت الشائعة الجيش المسلم، ووقع الخبر على النبي صلى الله عليه وسـلم وأصحابه وقعا عظيما، فعزم عليه الصلاة والسلام على منازلة القوم وقتالهم، وأعلنها في أصحابه، "لا نبرح حتى نناجز القوم"، مع أنهم ما خرجوا لحرب وما كانوا لها متأهبين، لكنها إحدى محطات الاختبار الشديد، والبلاء العظيم، الذي كان يطوف بقلوب الصحابة رضوان الله عليهم ما بين فينة وأخرى وهم في سبيل الدعوة والجهاد.

لما رأى الصحابة عزمة الرسول صلى الله عليه وسـلم على مواجهة القوم وقتالهم، غلت في نفوسهم مراجل الإيمان والبطولة والصدق والفداء، فتدافعوا نحو نبيهم عليه الصلاة والسلام وهو تحت الشجرة، يضربون بأكفهم على كفه، يبايعونه على الموت، وعلى بيع أرواحهم وسفك دمائهم في سبيل الله.

بيعة الرضوان تلك كانت موقفا عظيما لتلك العصبة المؤمنة،موقفا رضيه الله وباركه وأحبه، لقد كانت تلك الثلة من الرجال فريدة في إيمانها، فريدة في قوة يقينها، فريدة في سرعة استجابتها وسخائها بأرواحها، كانت على أتم الاستعداد لبيع مهجها لله لحظة تطلب الأمر ذلك، فلما رأى الله عظيم موقفهم هذا، ساق لهم البشارة العظيمة، {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.

لقد كان موقفا مشهودا يراقبه الله بتأييده وحفظه ورعيته، وكان الله عز وجل شاهدا لتلك البيعة، ويده فوق أيديهم.. وأي رجال أولئك الذين يتنزل عليهم الإعلان من السماء أن الله قد رضي عنهم، هم بأعيانهم وذواتهم، يتنزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسـلم ليبلغه عن الله أن الله كان معهم، وأنه رضي صنيعهم ورضي عنهم، وأعظم ذلك قوله سبحانه: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}.

في تلك اللحظة الشديدة الحاسمة، أخبر الله سبحانه وتعالى أنه نظر إلى ضمائرهم وما تُكِنه قلوبهم، فعلم ما فيها من الحمية لدينهم وعقيدتهم، لا لأنفسهم وذواتهم، علم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم، علم ما فيها من التجرد لنصرة هذه العقيدة، وذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسـلم، علم ما في قلوبهم من صدق الاتباع للوحي، والالتزام التام بما يأمر به، علم ما في قلوبهم من الاسترخاص لأرواحهم ودمائهم ساعة دعاهم النبي الكريم للبيعة على بذلها.

إن مكنونات القلوب وحقائق النفوس لها أثرها في توجيه الأحداث ونتائج المواقف، وتحقق الانتصارات أو حلول الانكسارات، فما يعتمل في قلوب المجاهدين والدعاة والمحتسبين له بالغ الأثر على نجاحهم أو فشلهم، فربنا عز وجل يقول وقوله الحق: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ}، بسبب صدقهم سكب الله السكينة والطمأنينة على أفئدتهم، وأفرغ عليهم الصبر الكريم، والثبات العظيم، ثم بعد ذلك بشرهم بفتح قريب ناجز أدنى مما يظنون، وأسرع مما يطمعون.

وانظروا كيف لما طاف الإعجاب بقلوب بعض الصحابة يوم حنين، سلط الله عليهم العدو فهزمهم، وأذاقهم الله مرارة الهزيمة على كثرتهم، أذاقهم مرارة الركون إلى أنفسهم، لعلهم يرجعون إلى تنقية قلوب أصابها شيء من غبار العجب، وكذا لما داخل الطمع في الدنيا قلوب بعضهم أنزل الله: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}.

إن الله لا يعجزه أن ينصر عباده المجاهدين بأهون سبب، وإنه لهين عليه يسير أن يظهر عباده المصلحين والدعاة والمحتسبين، لكن سنته عز وجل أن يبتلي هذه القلوب، وبحسب ما تكنه تكون النتائج، فإن دواخلنا ونوايانا وقلوبنا مكشوفة امام الله، عارية أمام علمه، لا تحجبها حيلنا ولا أعذارنا، ولا مواهبنا التي نخادع بها الناس.

وإذا تلفتت القلوب إلى حظوظ النفوس والسمعة وحب الظهور، أو الاتكال على غير الله من الحيل والأسباب، أو سوى ذلك من خطر النوايا والمقاصد، فإن الله لا يرضى هذه المكنونات ولا يحبها، وهي دائما سبب العثار والفشلوالإخفاق.

إننا نخطى كثيرا عندما نجهد في تحصيل أسباب القوة المادية، وعندما نركن إلى قدراتنا وعلاقاتنا وحيلنا، وفي المقابل نغفل غفلة مخجلة عن قلوب لا تغيب عن نظر الله، وعن أفئدة لا يسترها عن الله حجاب، ولا نخجل أن يطلع الله على ما فيها من المقاصد المريضة، والأغراض الحقيرة.

إنها دعوة للدعاة والمجاهدين والمحتسبين والمربين والآباء والمعلمين، ولكل ساع في الخير، دعوة لتهيئة القلوب لنظر الله، وتزيينها بحلية الصدق والإخلاص،فنصر الله وفتحه وتوفيقه قريب قريب، لا يحجبه شيء سوى أخطائنا، والدخَل الذي يغشى قلوبنا وسرائرنا، ولم يتركنا الله لدعاوانا، لكن دون ذلك بلاء وتمحيص، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:3]

مرات القراءة: 1075

مرات الطباعة: 22

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك