إن صلاح حال المرء، واستقامة أمره، وسداد نهجه، وطيب حياته، وحُسْن عاقبته متوقف على صلاح عضو واحد في جسده، مرتهن بطهارته ونقائه؛ ذلك هو القلب الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ". (متفق عليه؛ البخاري: 52، ومسلم: 1599 باختلاف يسير).
وهو دليل بَيِّنٌ على أَنَّ صلاحَ القلب رأس كل خير ينعم به العبد في حياته، وفساده رأس كل شر يبأس ويشقى به في آخرته.
وحياة هذه القلوب وصلاحها لا يكون إلا بتوحيد الله - عز وجل -؛ قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أي: بتوحيد الله .
والقلب الحيّ يجعل اللهُ فيه نورًا يمشي به صاحبه، وفرقانًا يفرّق به بين الحقّ والباطل، وكلما كانت حياة القلب أتمّ كان نوره أعظم، وفرقانه أظهر، حتى يتبيّن له الحقّ من الباطل، والهدى من الضلال، والغيّ من الرشاد، فلا تلتبس عليه؛ قال تعالى:
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22].
وانتفاع الإتسان إنما يكون بهذا القلبُ الممتلئ بالتوحيد، فهو حينذاك يسمع ويُبصر ويعقل، أما القلب الميّت فلا يسمع ولا يُبصر ولا يعقل، ومِنْ ثَمَّ لا ينفع صاحبه البتة، قال تعالى:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
قال الحسن البصري - رحمه الله - لرجل: "دَاوِ قلبَكَ؛ فَإِنَّ حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم"، ومعناه كما قال الحافظ ابن رَجَب - رحمه الله -: إنَّ مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله، وعظمته، ومحبته، وخشيته، ومهابته، ورجاؤه والتوكل عليه، وتمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى قول: "لا إله إلا الله"، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله وحده.
فالقلب إنما خُلِقَ لعبادة الله وحده، ومِفتاح صلاحه التوحيد والاستقامة.