كان أهل الجاهلية يتشاءمون بشهر صفر ويقولون: إنه شهر مشؤوم؛ فيمتنعون فيه عن مزاولة الأعمال المباحة التي كانوا يزاولونها في غيره، فأبطل الإسلام هذه الاعتقادات المتوارثة؛ قال الله تعالى: }مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا{ [الحديد: 22].
كما أبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الاعتقاد، وبيَّن أنَّ شهرَ صفر لا تأثير له وإنما هو كسائر الأوقات التي جعلها الله فرصة للأعمال النافعة، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا عَدْوى ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ" (رواه البخاري ومسلم).
وهذا الاعتقاد الجاهلي لا يزال لدى بعض الناس إلى اليوم؛ فمنهم من يتشاءم بصفر، ومنهم من يتشاءم ببعض الأيام كيوم السبت أو الثلاثاء أوغيره من الأيام، فلا يتزوجون في هذه الأيام، ويعتقدون -أو يظنون- أن الزواج فيها لا يوفق.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح، وإنما الزمان كله خلق الله تعالى، وفيه تقع أفعال بني آدم؛ فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمانٌ مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو شؤم عليه.
فالخير والشر والنِّعَم والمصائب كلها بقضاء الله وقدره: }قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّه{ [النساء: 78]؛ فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وما يصيب العباد من الشرور والعقوبات فإن الله قدره عليهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ [الشورى: 30]، ليس للمخلوق يد في تقديره وإيجاده.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "... واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ" (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
وهذا لا ينافي أن يجعل الله بعض مخلوقاته سببًا للخير أو الشر، ولكن ليست الأسباب هي التي تُحدث هذه الأمور، وإنما ذلك راجع إلى مسبب الأسباب وهو الله - سبحانه -، ومطلوب من العبد أن يتعاطى أسباب الخير، ويتجنب أسباب الشر قال تعالى: }وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ [البقرة: 195].