SNW

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

  قبســـات

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.



1441533093_7507069134.jpg
مع الأنبياء

معالم التوحيد في دعوة يوسف عليه السلام (6)

معالم التوحيد في دعوة يوسف عليه السلام
معالم التوحيد في دعوة يوسف عليه السلام

بتاريخ: 2018-10-09 06:18:10

اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

قال الله تعالى:

}إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [يوسف: 40]

في هذه الشطر من الآية يرسم يوسف - عليه السلام - بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة، كما هز بها كل قوائم الشرك هزًّا عنيفًا شديدًا.

فالشرك لا يقوم في الأرض إلا مغتصبًا أخص خصائص الألوهية، وهو الربوبية، أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه.

قال تعالى:

}إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ{ أي: ما الحكم الحق في الربوبية والعقائد والعبادات الدينية إلا لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله، لا يمكن لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه، ولا بعقله واستدلاله، ولا باجتهاده واستحسانه، فهذه القاعدة هي أساس دين الله - تعالى - على ألسنة جميع رسله، لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.

فالحكم -في الألوهية والربوبية والعبادة- ليس إلا لله لا كما تقولون: }مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى{، أو كما تزعمون: }هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ{.

فجملة "إن الحكم إلا لله" إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم بأنها لا حكم لها فيما زعموا أنه من حكمها وتصرفها.

وقد أمر عباده قاطبة }أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ{، أن لا يعبدوا إلا إياه، بل إياه وحده فادعوا واعبدوا، وله وحده فاركعوا واسجدوا، وإليه وحده فتوجهوا، حنفاء لله غير مشركين به مَلكًا من الملائكة الروحانيين، ولا كاهنًا من المتعبدين، ولا شمسًا ولا قمرًا، فالمؤمن الموحد لله لا يذل نفسه بالتعبد لغير الله من خلقه بدعاء ولا غيره، لإيمانه بأنه هو الرب المدبر المسخر لكل شيء، وأن كل ما عداه خاضع لإرادته وسننه في أسباب المنافع والمضار.

فالعبادة هنا المقصود بها الإخلاص للّه وحده، والخضوع له وحده، واتباع أمره وحده، سواء تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية، أو تعلق بتوجيه أخلاقي، أو تعلق بشريعة قانونية، فالإخلاص للّه وحده في هذا كله هو مدلول العبادة التي خص اللّه - سبحانه - بها نفسه، ولم يجعلها لأحد من خلقه.

وحين نفهم معنى العبادة على هذا النحو نفهم لماذا جعل يوسف - عليه السلام - اختصاص اللّه بالعبادة تعليلًا لاختصاصه بالحكم؛ فالعبادة الخالصة لا تقوم إذا كان الحكم لغيره، وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود، وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة، فكله حكم تتحقق به الدينونة.

ومن العجب أن هذه الحقيقة التي بيَّنها القرآن في مئات من الآيات البينات تُتلى في السور الكثيرة بالأساليب البليغة صار يجهلها كثير ممن ينتسبون للإسلام، فمنهم من يجهل حقيقة التوحيد نفسه، فيتوجه إلى غير الله إذا مسه الضر أو عجز عن بعض ما يحب من النفع، فيدعوه خاشعا راغبا من دون الله، ويسميه شفيعا وسيلة عند الله، كما كان يفعل من كان قبلهم من المشركين!

وجملة أمر "ألا تعبدوا إلا إياه" انتقال من أدلة إثبات انفراد الله تعالى بالإلهية إلى التعليم بامتثال أمره ونهيه، لأن ذلك نتيجة إثبات الإلهية والوحدانية له، فهي بيان لجملة "إن الحكم إلا لله" من حيث ما فيها من معنى الحكم.

ولله در القائل:

حرام على من وَحَّدَ الله ربه * وأفرده أن يجتدي أحدًا رفدا

فيا صاحبي قف بي على الحقِّ وقفَةً * موت بَها وجدًا وأحيا بها وجدا

وَخَلِّ مُلوك الأرضِ تَجهَد جهدها * فذا المُلك مُلك لا يُباع ولا يُهدى

ثم قال تعالى: }ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ{ والقيم: هو القائم الذي قام بحُجَّةٍ وبُرهان، وقيل: المستقيم.

والمعنى إن هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذي أمر الله به، وأنزل به الحُجة والبرهان الذي يحبه وبرضاه، والموصِّل إلى كل خير، وما سواه من الأديان، فإنها غير مستقيمة، بل مُعوَجَّة توصِّلُ إلى كل شرٍّ.

}وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ لجهلهم بتلك البراهين، أو لا يعلمون شيئًا أصلًا فيبعدون أسماء سموها مِنْ تلقاء أنفسهم معرِضِينَ عن البُرهان العقليّ والسلطان العقلي، أو لا يعلمون حقائق الأشياء، وإلا فإن الفرقَ بين عبادة الله وحده لا شريك له، وبين الشرك به أظهر الأشياء وأبينها.

ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك حصل منهم ما حصل من الشرك، فلهذا كان أكثرهم مشركين.

وجملة "ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" خلاصة لما تقدم من الاستدلال، أي: ذلك الدين لا غيره مما أنتم عليه وغيركم.

ويظهر من ثنايا هذه الآيات التدرج في الدعوة وإلزام الحُجَّة، حيث بَيّن لهم يوسف -عليه السلام - أولًا رُجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة، ثم برهن على أن ما يُسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الألوهية، ثم دلَّ على ما هو الحق القويم، والدين المستقيم، الذي لا يقتضي العقل غيره، ولا يرتضي العلم دونه.

مرات القراءة: 706

مرات الطباعة: 25

* مرفقات الموضوع
 
تعليقات الموقع تعليقات الفيسبوك