لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان.
قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، فأمر تعالى بذكره، ووعد عليه أفضل جزاء، وهو ذكره لمن ذكره، كما قال تعالى على لسان رسوله: "من ذَكرني في نفسِهِ ذَكرتُه في نَفسي، وإن ذَكرني في مَلأٍ ذَكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه". (البخاري: 7537، ومسلم: 2675).
وذكر الله تعالى أفضله، ما تواطأ عليه القلب واللسان، وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته، وكثرة ثوابه، والذكر هو رأس الشكر، فلهذا أمر به خصوصًا، ثم مِنْ بعده أمر بالشكر عموما فقال: {وَاشْكُرُوا لِي} أي: على ما أنعمتُ عليكم بهذه النِّعَم، ودفعتُ عنكم صنوفَ النِّقَم، والشكر يكون بالقلب؛ إقرارًا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعة لله وانقيادًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، فالشكرُ فيه بقاءُ النِّعْمَةِ الموجودة، وزيادة في النِّعَم المفقودة.
ومن أعلى مراتب الذكر الدعاء؛ قال القاضي عياض - رحمه الله -: أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاءَ في كتابه لخليقته، وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاءَ لأمَّته، واجتمعت فيه ثلاثةُ أشياء: العلمُ بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمَّة، فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام، فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وجاء في "صحيح البخاري" و"مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للبَرَاء بن عَازِب رضي الله عنه:
"إذا أتيتَ مضجعكَ فتوضأ وضوءَكَ للصلاةِ، ثم اضطَجِعْ على شِقِّكَ الأيمنِ، ثم قُلْ:
اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا مَنْجى منك إلا إليك.
اللهم آمنتُ بكتابِك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ.
فإن مُتَّ من ليلتِك فأنت على الفطرةِ.
واجعلْهُن آخِرَ ما تتكلمُ به.
قال: فرددتُها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: "اللهم آمنتُ بكتابِك الذي أنزلتَ"، قلتُ: "ورسولِك"، قال: لا، ونبيِّك الذي أرسلتَ". (البخاري: 247 واللفظ له، ومسلم: 2710).
فانظر كيف أن هذا الذكر سبب للموت على فطرة الله التي فطرت الله الناس عليها، وما أسعده من عبد يتوفاه الله - عز وجل - على الفطرة السوية السليمة، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على تعليم البراء - رضي الله عنه - الاتباع في أمور العبادة كلها، ولو كان الاتباع في لفظة واحدة!