قال الله تعالى:
}قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{. (آل عمران: 64)
}قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ{ تستهل الآية بهذا الخطاب الذي يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم، و"الكلمة" تُطلق على الجملة المفيدة، كما قال هاهنا، ثم وصفها بقوله "سواء بيننا وبينكم" أي" عدل ونُصْف نستوي نحن وأنتم فيها.
أي: هَلُمُّوا نجتمع عليها، وهي الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال.
ثم فسرها بقوله: }أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا{ .. لا وثنًا، ولا صليبًا، ولا صنمًا ولا طاغوتًا ولا نارًا ولا شيئًا، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرسل، قال الله تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ [الأنبياء: 25].
ثم قال تعالى: }وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ{ بأن نقول عزير ابن الله والمسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم بشر مثلنا، ولايجب أن يطيع بعضنا بعضًا في معصية الله - عز وجل -.
بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق، لأن ذلك جعل للمخلوقين في منزلة الربوبية، فإذا دعي أهل الكتاب أو غيرهم إلى ذلك، فإن أجابوا كانوا مثلكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن تولوا فهم معاندون متبعون أهواءهم.
}فَإِنْ تَوَلَّوْا{ عما دعوتوهم إليه من التوحيد وترك الإشراك وتركوا هذا النصف وهذه الدعوة، }فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{ أي: فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم، وليعترفوا بأنهم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل - عليهم السلام -.
وفي الآية ما يفيد أنه عند ورود الشبهات على العقيدة الإيمانية يجب للمؤمن أن يجدد إيمانه ويعلن بإسلامه، إخبارًا بيقينه وشكرًا لنعمة ربه.
وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون اللّه، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون، المسلمون هم الذين يعبدون اللّه وحده ويتعبدون للّه وحده ولا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون اللّه، وهذه هي خصيصتهم التي تميزهم من سائر الملل والنحل وتميز منهج حياتهم من مناهج حياة البشر جميعًا.