قال الله تعالى:
}وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ [يوسف: 24].
في هذه الآية الكريمة وصف الله - عز وجل - نبيه يوسف - عليه السلام - بأنه من العُبَّاد المُخْلَصِين، وهي صفة لازمة لدُعَاة التوحيد، كما هي صفة لازمة للمجتبين المطهَّرين المختارين المصطَفَين الأخيار، صلوات الله وسلامه عليهم.
قال ابن جرير في "تفسيره": والصواب أن يُقال: إنه رأى آية من آيات الله - عز وجل -، ولا حُجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك، فالصواب أن يُطلق كما قال الله تعالي.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في تفسير الآية: فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن، ...، لقد آوى إلى حصنٍ لا خوف على مَنْ تَحَصَّنَ به، ولا ضَيْعَةَ على مَنْ آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
* أما قوله: }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ{ أي: كما أريناه برهانًا صَرَفَهُ عما كان فيه كذلك نَقِيْهِ السُّوْءَ والفحشاءَ في جميع أموره، لكونه من عبادنا المُخْلَصِينَ المطهَّرين المختارين.
أي: كذلك فعلنا وتصرفنا في أمره لنصرف عنه دواعي ما أرادته به امرأة العزيز من السوء، وما راودته عليه قبله من الفحشاء، بحصانةٍ أو عصمةٍ مِنَّا تَحُولُ دون تأثير دواعيهما الطبيعية في نفسه، فلا يصيبه شيءٌ يُخرجه من جماعةِ المحسنين الذين شهدنا له بأنه منهم، إلى جماعةِ الظالمين الذين ذَمَّهُم وشَهِدَ هو في رَدِّهِ عليها بأنهم لا يُفلحون وشهادته حق.
فقوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} تعليلٌ لما سبق، و"المخلَصُون" هم الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته بأن عصمهم عما هو قادحٌ فيها، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلَصين له في عباداتهم، الذين أخلَصَهم الله واختارهم، واختصَّهم لنفسه، وأسدَى عليهم من النِّعَم، وصَرَفَ عنهم من المَكَارِهِ ما كانوا به من خيار خلقه.
فالله - عز وجل - هو الذي ثبته على العفة أمام المغريات ودواعي الفتنة، كما ثبته ووقاه من السوء والفحشاء في جميع أموره، لأن يوسف - عليه السلام - من عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم لوحيه ورسالته، فلا يتمكن الشيطان من إغوائهم.
ومَنْ نَظَرَ في قوله سبحانه: }إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ رآه أفصح شاهد على براءته ونزاهته - عليه السلام -، ومَنْ ضَمَّ إليه: }فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [ص: 82، 83] وجد إبليس - لعنه الله - مقرًّا بأنه لم يُغْوِهِ ولم يضله عن سبيل الهدى؛ كيف وهو - عليه السلام - من عباد الله تعالى المخلَصين بشهادة الله تعالى، وقد استثناهم من عموم }لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{.
فيوسف - عليه السلام - من جُملة الذين أخلصهم ربهم وصفاهم من الشوائب وقال فيهم: }وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ{ [ص: 45-47].
فهم مخلَصون لله في إيمانهم به وحُبهم وعبادتهم له، ومخلَصون عنده بالولاية والنبوة والعناية والوقاية من كل ما يبعدهم عنه ويسخطه عليهم فلا يعبدون مع الله شيئًا.