الحمد الذي منّ على الحجيج بإتمام مناسك الحج؛ الركن العظيم من أركان الإسلام، المتضمن لجمع من العبادات الجليلة التي تجتمع في هذا الموسم الكبير، ونسأله سبحانه لهم القبول والعفو والغفران.
والبشرى بحق لمن أخلص لربه جل وعلا، واتبع هَدْي رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".
قال ابن حجر (رحمه الله): "وظاهر الحديث غفران الصغائر والكبائر والتبعات"!
وفي هذا الحديث الشريف إشارة جلية إلى أن المراد من هذه الفريضة العظيمة ليس مجرد تعب الأبدان ومغادرة الأوطان! بل المراد منها ومن كل عبادة هو تقوى الله وطلب رضاه؛ ولهذا عُلّق الفضل الكبير المذكور باجتناب الرفث (الكلام الفاحش) والفسق، وهو الخروج عن الطاعة بفعل المعاصي والمنكرات، وأشدها بلا شك ما يكون بدعة أو ذريعة إلى الشرك، فما البال بالوقوع في الشرك نفسه؟!
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.. وهو يرى بعض المسلمين وهم يتلبسون بالشرك بالله تعالى؛ كمن يتوسل بالأموات ويدعوهم من دون الله تعالى، خلال هذه الفريضة العظيمة التي شعارها التلبية لله وحده لا شريك له!
وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.. وهو يرى نفرا من الحجيج يتعلقون بآثار وأحجار وأشجار وجبال، يرجونها من دون الكبير المتعال، في طقوس وممارسات ما أنزل الله بها من سلطان؛ تقدح في توحيدهم للأحد الصمد!
وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.. وهو يرى بعض أرباب الطرق المنحرفة وهم يمارسون في خيامهم بملابس إحرامهم طقوسهم الصوفية من رقص وتمايل وغناء!
وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.. وهو يرى بعض من تجشّموا السفر الطويل ومغادرة الأهل والأحباب، لا يقوى أحدهم على مجاهدة نفسه في أيام معدودات! فمنهم شارب للدخان في البقاع المقدسة، ومنهم من لا ينفك عن الغيبة والمراء، ومنهم منشغل عن الذكر بأخذ الصور التذكارية في كل موضع تطؤه قدماه! إلى غيرها من المشاهد المؤلمة التي يندى لها جبين كل غيور على أمة الإسلام وشعائرها!
لهذا لمّا قيل لبعض السلف حين كثر الحجاج حتى تزاحموا عند البيت الحرام، وفي كل موطن: ما أكثر الحاج! فقال: الركب كثير، لكن الحاج قليل!
وإنها بحق "دمعة على التوحيد" الذي ينتقص منه في موسم شعاره {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {6/162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {6/163} قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
ولكن تبقى الآمال متعلقة بالمولى الجليل، ثم العلماء والدعاة.. في تنبيه الغافلين، وتعليم الجاهلين، ودعوة المفرّطين للتوبة والإنابة، وتوعية الناس بحقيقة هذا المنسك العظيم؛ بما ينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين!