إنَّ حقيقة الإيمان لدى أهل السُّنة والجماعة أنه: إقرار باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة ويَنقص بالمعصية، فهو إقرار باللسان بأداء الشهادتين لفظًا، واعتقاد بالقلب وهو نيَّته وإخلاصه، وعمل بالجوارح بأن يؤدِّي العبد ما أوجبَ الله تعالى عليه من العبادات.
وهذه الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة إلا بتوسط عمل القلب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب"، فمثلًا الصلاة لها ظاهر وهي الأركان والواجبات والسنن، ولها باطن وهو الخشوع والإخبات والإخلاص وغيرها".
ويظهر من هذا أنَّ لعمل القلب مكانتَه من الإيمان، بل عمل القلب أهمُّ من عمل الجوارح؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - متحدِّثًا عن الأعمال القلبيَّة:
"وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل: محبَّة الله ورسوله، والتوكُّل على الله، وإخلاص الدين لله، والشكر له، والصبر على حُكمه، والخوف منه، والرجاء له، وهذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخَلق باتِّفاق أئمَّة الدين".
وقال الإمام ابن القيِّم - رحمه الله -:
"ومَن تأمَّل الشريعة في مصادرها ومواردها، عَلِم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأنَّ أعمال القلوب أفرضُ على العبد من أعمال الجوارح، وهل يُميَّز المؤمن عن المنافق إلاَّ بما في قلب كلِّ واحد من الأعمال التي ميَّزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كلِّ وقتٍ".
وأعمال القلوب أشد وجوبًا من أعمال الجوارح وآكد منها، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
"فواجبات القلوب أشد وجوبًا من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريمًا وأعظم إثمًا".
وأعمال القلوب كثيرة لا تُحصى، فمنها:
- الإخلاص لله، قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ{ [البينة: 5].
وثبت في الصحيح حديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَّرُ بهم النار، وهم: القارئ المرائي، والمجاهد المرائي، والمتصدق المرائي.
- محبَّة الله تعالى، ومحبَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - المحبةَ الحقيقيَّة التي تُثمر المتابعة والاستقامة، قال تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{ [آل عمران: 31].
- الرضا، وهو القبول والانقياد لأمر الله تعالى، فما رضيه الله لنا، فنحن أولى أن نرضى به وأحق.
قال تعالى: }الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا{ [ المائدة: 3].
وغير ذلك كثير من أعمال القلوب التي هي محل نظر الله - سبحانه وتعالى -، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى أجسادِكُم، ولا إلى صورِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم".