عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما مِن أحدٍ أغيَرُ مِن اللهِ، مِن أجْلِ ذلك حرَّم الفواحِشَ، وما أحدٌ أحبَّ إليه المدحُ مِن اللهِ".
(البخاري: 5220، ومسلم: 2760)
والغَيرة: المنع، والرجل غَيُورٌ على أهله أي: يمنعهم من التعلق بأجنبيٍّ بنظرة أو حديث أو غيره، والغضب لازم الغَيرة.
وهذه الغَيرة التي جاءت في هذه الأحاديث في وصف الله تعالى ليست منه على حسب ما هي عليه في المخلوقين؛ لأنه لا تجوز عليه - سبحانه وتعالى - صفات النقص، إذ لا تشبه صفاته صفات المخلوقين.
و{غيرة الله} هو كراهة الإتيان بالفواحش أي عدم رضاه به لا عدم الإرادة، وقيل: الغضب لازم الغَيرة، أي غضبه عليها، ثم لازم الغضب إرادة إيصال العقوبة عليها.
والغيرة فى صفاته بمعنى الزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها؛ لأن الغيور هو الذى يزجر عما يغار عليه، وقد بين ذلك بقوله عليه السلام: (.. وَمِنْ غَيْرَتِهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ)، أى زَجَرَ عَنْهَا ومَنَعَ مِنْهَا.
قال تعالى:}قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ (الأنعام: 151)
وقال تعالى:} قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 33].
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أي: مِن أجل أنَّ الله أغير من كل أحد (حَرَّمَ الفَوَاحِشَ) وهو جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال.
وحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ)، إنه مصلحة للعباد لأنهم يثنون عليه - سبحانه وتعالى - فيثيبهم فينتفعون، والله - سبحانه - غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك.
وفيه: تنبيه على فضل الثناء عليه، وتسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، وسائر الأذكار، واستنبط منه جواز مدحِنَا له تعالى، ومدحُنا له لا لينتفع به بل لننتفع نحن به.