استخدم نبي الله هود - عليه السلام - في دعوته إلى التوحيد مسارات متعددة، فقد ذكر قومه تارة بآلاء الله - عز وجل - عليهم، وتارة يخوفهم من عذاب الله - سبحانه وتعالى - الذي ينتظرهم إذا هم رفضوا دعوة التوحيد واستمروا على كفرهم وشركهم، وتارة يمنيهم بما يحبون ويرغبون فيه من زيادة القوة وكثر النسل.
قال تعالى:
}أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ (الأعراف: 69).
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} أي: كيف تعجبون من أمر لا يتعجب منه، وهو أن الله أرسل إليكم رجلًا منكم تعرفون أمره، يذكركم بما فيه مصالحكم، ويحثكم على ما فيه النفع لكم، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين.
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي: واحمدوا ربكم واشكروه، إذ مكن لكم في الأرض، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم الله وأبقاكم، لينظر كيف تعملون، واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا، فيصيبكم ما أصابهم.
{و} اذكروا نعمة الله عليكم التي خصكم بها، وهي أن {زَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} في القوة وكبر الأجسام، وشدة البطش، {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} أي: نعمه الواسعة، وأياديه المتكررة {لَعَلَّكُمْ} إذا ذكرتموها بشكرها وأداء حقها {تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون بالمطلوب، وتنجون من المرهوب، فوعظهم وذكرهم، وأمرهم بالتوحيد، وذكر لهم وصف نفسه، وأنه ناصح أمين، وحذرهم أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم، وذكرهم نعم الله عليهم وإدرار الأرزاق إليهم.
ثم ذهب يذكرهم بأنواع أخرى من نعم الله - تعالى - عليهم، كما أخبرنا الله - عز وجل - في قوله تعالى:
}أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(*)وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(*)وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(*) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(*) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ(*) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (*) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (*) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{ [الشعراء: 128 - 135].
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} أي:مدخل بين الجبال {آيَةً} أي: علامة {تَعْبَثُونَ} أي: تفعلون ذلك عبثًا لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} أي: بركًا وأماكن للحياة {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بالخلق {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتلًا وضربًا، وأخذ أموال، وكان الله - تعالى - قد أعطاهم قوة عظيمة، وكان الواجب عليهم أن يستعينوا بقوتهم على طاعة الله، ولكنهم فخروا، واستكبروا، وقالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} واستعملوا قوتهم في معاصي الله - سبحانه -، وفي العبث والسفه، فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ} واتركوا شرككم وبطركم {وَأَطِيعُونِ} حيث علمتم أني رسول الله إليكم، أمين ناصح.
{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ} أي:أعطاكم {بِمَا تَعْلَمُونَ} أي:أمدكم بما لا يجهل ولا ينكر من الإنعام.
{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ} من إبل وبقر وغنم {وَبَنِينَ} أي: وكثرة نسل، كثر أموالكم، وكثر أولادكم، خصوصًا الذكور.
هذا تذكيرهم بالنعم، ثم ذكرهم حلول عذاب الله فقال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: إني - من شفقتي عليكم وبري بكم - أخاف أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم، إذا نزل لا يرد، إن استمررتم على كفركم وبغيكم.
ثم هي دعوة لما ينتظرهم ومآلهم إن هم أطاعوا واستجابوا لدعوة التوحيد، قال تعالى:
}وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ{ [هود: 52].
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} عما مضى منكم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى.
فإنكم إذا فعلتم ذلك {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها.
{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا: {من أشد منا قوة}؟، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم.
{وَلا تَتَوَلَّوْا} عنه، أي: عن ربكم {مُجْرِمِينَ} أي: مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه.
وننظر في هذا الوعد، وهو يتعلق بإدرار المطر ومضاعفة القوة، وهي أمور تجري فيها سنة اللّه وفق قوانين ثابتة في نظام هذا الوجود، من صنع اللّه ومشيئته بطبيعة الحال، فكأنه لفت أنظارهم إلى تلك النواميس وارتباطها بالتوحيد والتوبة والاستغفار.