لم تكن دعوة نبي الله صالح - عليه السلام - إلا امتدادًا لدعوة الأنبياء من قبله، فقد سار على خطاهم في العناية بالتوحيد، وهو ما بينته تلك الآيات الكريمات.
قال تعالى:
}وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ{ [الأعراف: 73]
أي {و} أرسلنا {إِلَى ثَمُودَ} القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله، من أرض الحجاز وجزيرة العرب، أرسل الله إليهم {أَخَاهُمْ صَالِحًا} نبيا يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد، وينهاهم عن الشرك والتنديد.
فـ {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} دعوته - عليه الصلاة والسلام - من جنس دعوة إخوانه من المرسلين، الأمر بعبادة الله، وبيان أنه ليس للعباد إله غير الله.
فجميع الرسل يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ [الأنبياء: 25]، وقال: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
فقد غاير الحقّ - سبحانه - بين الرسل من حيث الشرائع، وجمع بينهم في التوحيد فالشرائع التي هي العبادات مختلفة، ولكن الكل مأمورون بالتوحيد على وجه واحد.
وقد جاءت الآية بنصها أيضًا في سورة هود، قال تعالى: }وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ{ [هود: 61]
أما في سورة الشعراء فقد قال الله تعالى: } كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ(*) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(*) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(*) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{ [الشعراء: 141 - 144].
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} القبيلة المعروفة في مدائن الحجر {الْمُرْسَلِينَ} كذبوا صالحًا - عليه السلام -، الذي جاء بالتوحيد، الذي دعت إليه المرسلون، فكان تكذيبهم له تكذيبًا للجميع.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} في النسب، برفق ولين: {أَلا تَتَّقُونَ} الله تعالى، وتدعون الشرك والمعاصي.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله ربكم، أرسلني إليكم، لطفًا بكم ورحمة، فتلقوا رحمته بالقبول، وقابلوها بالإذعان، {أَمِينٌ} تعرفون ذلك مني، وذلك يوجب عليكم أن تؤمنوا بي، وبما جئت به.
وفي سورة النمل، قال تعالى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ{ [النمل: 45]
وهنا يخبر تعالى كذلك أنه أرسل إلى ثمود القبيلة المعروفة أخاهم في النسب صالحًا وأنه أمرهم أن يعبدوا الله وحده ويتركوا الأنداد والأوثان، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} .
ولم يبين هنا خصومة الفريقين، ولكنه بين ذلك في سورة الأعراف، في قوله تعالى: }قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ(*) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ{ [75 - 76] فهذه خصومتهم وأعظم أنواع الخصومة، الخصومة في الكفر والإيمان.