كان رَدُّ قوم صالح على دعوة التوحيد كمن سبقهم من الأمم، ورغم ذلك لم ييأس نبي الله صالح - عليه السلام - من دعوتهم وهدايتهم، ودخل معهم في حوار رغبة في هدايتهم وإنقاذهم من العذاب المتوقع.
قال تعالى: }قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} (هود: 62 - 63)
فلما أمرهم نبيهم صالح - عليه السلام -، ورغبهم في الإخلاص لله وحده، ردوا عليه دعوته، وقابلوه أشنع المقابلة }قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} أي: قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: فاضلًا خيرًا نقدمك على جميعنا، وقيل: كنا نرجوا أن تدخل في ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه.
وهذه شهادة منهم لنبيهم صالح - عليه السلام - أنه ما زال معروفًا بينهم بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأنه من خيار قومه لكنه لما جاءهم بهذا الأمر الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة قالوا هذه المقالة التي مضمونها: إنك قد كنت كاملًا والآن أخلفتَ ظننا فيك، وصِرْتَ بحالةٍ لا يُرجَى منك خير.
وذنبه ما قالوه عنه وهو قولهم: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}، وبزعمهم أن هذا من أعظم القدح في صالح - عليه السلام - كيف قدح في عقولهم وعقول آبائهم الضالين، وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر ولا يُغني شيئًا من الأحجار والأشجار ونحوها!
وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم، الذي لم تزل نعمه عليهم تترى، وإحسانه عليهم دائمًا ينزل، الذي ما بهم من نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو.
وهكذا يعجب القوم مما لا عَجَبَ فيه، بل يستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون لأن يدعوهم أخوهم صالح - عليه السلام - إلى عبادة اللّه وحده .. لماذا؟ لا لحُجة، ولا لبرهان، ولا لتفكير، ولكن لأن آباءهم يعبدون هذه الآلهة!
وهكذا يبلغ التحجر بالناس أن يعجبوا من الحق البين، وأن يعللوا العقائد بفعل الآباء!
}وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} أي: ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه شكًّا مؤثرًا في قلوبنا الريب، وبزعمهم أنهم لو علموا صحة ما دعاهم إليه، لاتبعوه، وهم كذبة في ذلك، ولهذا بين كذبهم في قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي: برهان ويقين مني {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} أي: منَّ علي برسالته ووحيه، أي: أفأتابعكم على ما أنتم عليه، وما تدعونني إليه؟!
}فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} أي: ينجيني من عذابه }إِنْ عَصَيْتُهُ} أي بالمساهلة في تبليغ الرسالة والمجاراة معكم فيما تأتون وتذرون، فإن العصيان ممن ذلك شأنه أبعد والمؤاخذة عليه ألزم.
}فَمَا تَزِيدُونَنِي} إذن باستتباعكم إياي كما ينبئ عنه قولهم }قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا {.
{غَيْرَ تَخْسِيرٍ} أي: غير أن تجعلوني خاسرًا بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى.
فما نفعهم محاولة استدراجه بكلامهم أنهم كانوا يرجون فيه عقلًا، ومضى نبي الله صالح - عليه السلام - في دعوته، وفي استغلال الحديث في الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده.