logo

التوسل: المشروع والممنوع(14)

التوسل: المشروع والممنوع(14)

  • الشيخ الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 220 قراءة

شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة والآثار

الأثر الثالث: خبر مرثية صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسـلم.

يقـول أحمد دحـلان: \"وكذا من أدلة التوسل مرثية صفية رضي الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فإنها رثته بعد وفاته صلى الله عليه وسـلم بأبيات فيها:

ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا                وكنت بنا برا ولم تك جافيا

ففيها النداء بعد وفاته مع قولها \"أنت رجاؤنا\"، وسمع تلك المرثية الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر عليها أحد قولها: \"يا رسول الله أنت رجاؤنا\"(1) .

الجواب: يقال لهم:

أولا: قيل إن هذه القصيدة ليست لصفية رضي الله عنها، يؤيد ذلك أن ابن هشام لم يذكرها في سيرته في جملة المراثي التي قيلت في رسول الله صلى الله عليه وسـلم بعد وفاته.

ثانيا: أن هذا الخبر ذُكر في سنده أنه عن عروة بن الزبير قال: قالت(2) صفية: وفيه انقطاع بين عروة وبين صفية جدته لأبيه، فقد ولد عروة سنة 29هـ كما في التهذيب  ونحوه.ولمـا كـانت المرثية عقب وفاته صلى الله عليه وسـلم فتكون ولادته بعد القصيدة بتسـع عشرة سنة. وصفية ماتت سنة 20 هـ أي قبل ولادة عروة بتسع سنين، وعليه فإن عروة لم يدرك صفية وروايته عن أبيه الزبير مرسلة، فكيف عن أم أبيه فإنها أيضا منقطعة ومرسلة؟

ثالثا: أن في هذا البيت الذي استشهد به تحريفا عن أصله، فقد ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد(3). فقال: روى الطبراني بإسناد حسن عن عروة بن الزبير قال: قالت صفية ترثي رسول الله صلى الله عليه وسـلم:

ألا يا رسول الله كنت رجاؤنا               وكنت بنا برا ولم تك جافيا

هكـذا رواه الطـبراني فحرفه أحمد دحـلان فقال: \"أنت رجاؤنا\" ليدل هذا اللفظ على أن رسول الله صلى الله عليه وسـلم رجاء في الحياة وبعد الممات. وإذا ثبت تحريفه بطل الاستدلال به.

أما قول صفية كما رواه الطبراني وهو \"كنت رجاؤنا\" فهو حجـة عليهم، حيث فرقت بين الحياة، وبعد الممات فهو في حياته كـانوا يرجعون إليـه فيدعو الله لهـم، وإنما لجـؤوا إلى هذا التحريف ليثبتوا باطلهم، وعلى هذا فـإن الخبر ضعيف لا تثبت به حجة، وعلى فرض صحته فإنه محرف المتن واحتجوا به بعد التحريف.

رابعا: لو قدر أنه صحيح غير محرف فإنه لا دلالة فيه على ما زعموه، ذلك أن المراد من المرثية أنه صلى الله عليه وسـلم رجاء بمعنى مرجو في الأمر الذي يقدر عليه في حياته وبعد وفاته فيما ثبت بالكتاب والسنة كونه رجاء فيه.

أما ما ورد في الخبر من النداء فنقول:

1-   أن (يا) هنا للندبة لا للنداء كقول فاطمة رضي الله عنها: يا أبتاه أجاب ربا دعاه.

2-   لو سلم ثبوت النداء منها فـلا يثبت منه مطلوب الخصم، ذلك أن النزاع إنما هو في نداء يتضمن الدعاء والطلب مثل أن يقال: يا رسول الله اشفني أو يا رسول الله استغفر لي، فالأول: شرك، والثاني: بدعة بعد وفاته صلى الله عليه وسـلم ووسيلة إلى الشرك وليس في المرثية دعاء شيء ولا طلبه، وعليه فلا دلالة في هذا على ما زعموه.

خامسا: إضافة إلى ما ذكرنا كله فإنه لا يصح الاستدلال في أمور العقيدة بمثل كـلمة في جملة ينطق بها صحابي أو صحابية لا سيما في الشعر الذي اعتاد أهله المبالغة في المدح والتلهف، فالله لم يتعبد الأمة بغير قوله وقول رسوله صلى الله عليه وسـلم(4).

 

الأثر الرابع: حكاية الإمام مالك مع المنصور في التوسل.

يقـول أحمد دحـلان: \"وإلى هـذا التوسل أشار الإمام مالك للخليفة المنصور، وذلك أنه لما حج المنصور وزار قبر النبي صلى الله عليه وسـلم سأل الإمام مالكا وهو بالمسجد النبوي فقال لمالك: يا أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسـلم وأدعو؟فقال له الإمام مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك، قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم}[النساء:64]. ذكرها القاضي عياض في الشفا(5). عن محمد بن حميد(6).

الجواب:

يقال لهم: هذه الحكاية غير صحيحة(7)  عنه؛ لأمور:

أولا: في الإسناد علل منها:

أ- أنه منقطع إذ إن فيه محمد بن حميد الرازي - لم يدرك مالكـا لا سيما في زمن أبي جعفر، فإن أبا جعفر توفي سنة 158 هـ، وتوفي مالك سنة 179 هـ، وتوفي محمد بن حميد سنة 248 هـ، ولم يخرج من بلده حـين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه، وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث، كذبه أبو زرعة، وابن وارة، وقـال صالح محمد الأسـدي: مـا رأيـت أحـدا أجرأ على الله منه، وأحذق بالكذب منه. وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال النسائي: ليس بثقة.وقال ابن عبدالهادي الحنبلي: \"وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي وهـو ضعيف كـثير المناكير غير محتج بروايته لم يسمع عن مالك شيئا ولم يلقه، بل روايته عنه منقطعة\"(8).

ب- أن هذه الحكاية لم يذكـرها أحـد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، ولم تُعرف إلا من جهة محمد بن حميد وهو ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند فكيف إذا أرسل حكاية لا تُعرف إلا من جهته(9).

ج- أن في الإسناد أيضا من لا يُعرف حاله كما قال شيخ الإسلام(10).

ثانيا: أن أصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه، ذلك أنهم إنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين، فكيف بمسـألة فقهيـة عقدية تناقض مذهبه المعروف عـنه مناقضة صريحة رواها واحد من الخراسانين لم يدركه وهو ضعيف عند أهل الحديث؟!(11).

ثالثا: أن هذه الحكاية مناقضة لمذهب مالك المعروف عنه من وجوه منها:

الأول: قولـه: \"ولم تصرف وجهك عنه...\" فإن المعروف عن مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف من الصحابة التابعين أن الداعي إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسـلم ثم أراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة ويدعو في المسجد. قال ابن تيمية: \"ومذهب الأئمة الأربعة وغيرهـم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسـلم وأراد أن يدعو لنفسه فإن يستقبل القبلة\"(12)، أما عند القبر فيقتصر على السلام، بل كره مالك إطالة القيام لذلك(13). قال القاضي عياض في المبسوط: عن مالك قال: \"لا أرى أن يقف عند قـبر النبي صلى الله عليه وسـلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي\"(14).

الثاني: قولـه: \"استقبله واستشفع به\" كذلك مناقض لمذهب مالك وغيره من سلف هذه الأمة مخالف لأقوالهم وأفعالهم؛ إذ لم يقل به أحـد من السلف لا مالك ولا غـيره ولم يفعلوه، بل كـانوا لا يستقبلون القبر للدعاء لأنفسهم فضلا عن أن يستقبلوه ويستشفعوا به؛ ذلك أنه غير مشروع. ولذا قال شيخ الإسلام في معرض رده على هذه الشبهة: \"فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة من قولـه: \"استقبله واستشفع به\" كذب على مالك مخالف لأقواله وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي يفعلها مالك وأصحابه ونقلها سائر العلماء \"(15).

رابعا: كذلك مما يؤكد عدم صحتها أن ما نسب إلى مالك منها لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسـلم ولا سنه لأمته ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا غيره، فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل مع علو قدر مالك وتمام رغبته في اتباع السنة(16).فتبين بما ذكرنا أنها غير صحيحة، ولو كانت صحيحة مخالفة للكتاب أو السنة لم يلتفت إليها فكيف وهي مكذوبة.

الأثر الخامس: حكاية توسل الشافعي بأبي حنيفة وبأهل البيت

يقـول أحمـد دحـلان: \"وقـال ابن حجر في كتابه المسمى: \"بالخيرات الحسـان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان\" في الفصل الخامس والعشرين أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة \"(17)،وقـال أيضا: وذكر العلامة ابن حجر في كتابه المسمى: \"بالصواعق المحرقة لإخوان الضلال والزندقة\": أن الإمام الشافعي رحمه الله توسل بأهل البيت النبوي حيث قال:

آل البيت ذريعتي                   وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم أعطى غدا               بيدي اليمين صحيفتي(18)

الجواب: يقال لهم:

أولا: لا بد من رفع الحكايتين إلى أصحابها بسند يعتمد عليه، وإلا فهي مجرد دعوى لا قيمة لها(19). لا سيما إذا كان المتهم من أشد العلماء تمسكا بالسنة ومحاربة البدعة.

ثانيا: أن الشـافعي لما قدم بغداد لم يكن بها قبر ينتاب للدعاء البتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا، وقد رأى الشافعي بالحجاز والشام والعراق من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصـحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عند قبر أبي حنيفة؟(20)

ثالثا: أن الإمام الشافعي يعلم تمام العلم أنه غير مشروع في الكتاب والسنة، ولذا ثبت عنه كراهة تعظيم قبور الصالحـين خشية الفتنة بها(21) فكيف يقدم على بدعة لا يقرها، هذا مستحيل من مثله، ولذا قال ابن تيمية: بعد أن أورد هذه الحكاية: \"وهذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند مـن له أدنى معرفة بالنقل\"(22). وقـال ابن القيم: \"والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر\"(23).

رابعا: أن الأبيات المذكورة مكذوبة على الإمام الشافعي لخلوها من السند الصحيح كما أشرت إليه آنفا، ولمخالفتها لمنهجه رحمه الله، ولو قدر أنها صحيحة فإنها لا تضمن التوسل بالذات؛ إذ معناها: أن حب آل البيت واتباعهم وشفاعتهم والصلاة عليهم ذريعتي ووسيلتي، وكذا قوله: \"أرجو بهم\" أي أرجو بحبهم واتباعهم وشفاعتهم، مثل قول عمر: \"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعـم نبينا\"، فإن المراد إنا كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا(24).

مما ذكـرنا اتضح أن هاتين الحكايتين مكذوبتان على الإمام الشافعي رحمه الله، والصحيح من مثلها إذا خـالف الكـتاب والسنة لا يعتد به فكيف المكذوب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)             الدررالسنيةص 27

(2)             انظر : مجمعالزوائدج 9 ص 42

(3)             مجمعالزوائدج 9 ص 42

(4)             انظر : صيانةالإنسانص 289- 298 (المتنوالحاشية) ،والتوصلص 330- 332

(5)             الشفاءج 2 ص 35 بإسنادغريبمنقطع- كماقالشيخالإسلام- انظر : قاعدةجليلةص 66 ، 67

(6)             الدررالسنيةص 9 ، 10 كمااستدلبهامحمدالفقيانظر : التوسللهص 153 .

(7)             انظر : قاعدةجليلةص 70 ،والصارمالمنكيص 345 .

(8)             قاعدةجليلةص 67 والكاشفللذهبيج 3 ص 32 والصارمالمنكيص 345 .

(9)             قاعدةجليلةص 67 .

(10)        قاعدةجليلةص 67 .

(11)        قاعدةجليلةص 125 (ينصرف) وانظرتقديمالمحققص 28 .

(12)        قاعدةجليلةص 150 .

(13)        الفتاوى 1 ص 230 .

(14)        الفتاوىج1 ص 230 .

(15)        قاعدةجليلةص 70 .

(16)        قاعدةجليلةص 74 ، 75 . (بتصرف) .

(17)        الدررالسنيةص 27 ، 28 ،كماأوردهاعبداللهالحسينيمستدلابهافيكتابهإتحافالأذكياءص 41 .

(18)        الدررالسنيةص 27 ، 28 ،كماأوردهاعبداللهالحسينيمستدلابهافيكتابهإتحافالأذكياءص 41 .

(19)        انظرصيانةلإنسانص 29 .

(20)        انظر : اقتضاءالصراطالمستقيمص 343 ، 344 .

(21)        انظر : اقتضاءالصراطالمستقيمص 343 ، 344 .

(22)        انظر : اقتضاءالصراطالمستقيمص 343 .

(23)        إغاثةاللهفانج1 ص 236 .

(24)        انظر : صيانةالإنسانص 298 ، 299.


تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;