logo

التوسل: المشروع والممنوع (13)

التوسل: المشروع والممنوع (13)

  • الشيخ الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
  • 2024/08/28
  • 0 تعليق
  • 1134 قراءة

شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة والآثار

 

الشبهة الثانية عشرة:

ما يرويه بعض الجهال أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: \"توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم\". وبعضهم يرويه بلفظ: \"إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم\". أورد هذه الشبهة محمد التيجاني والسمنهودي مستدلين بها على مشروعية التوسل بالجاه، وجه استدلالهم: قالوا في الحديث أمر بالتوسل بالجاه فهو إذا مشروع.

الجواب:

يقال: هذا الحديث كذب لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة(1)

قال شيخ الإسلام: \"وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث. مع أن جاهه عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق سبحانه ليس كجاه المخلوق عند المخلوق، فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب، والله سبحانه وتعالى: لا شريك له، كما قال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}[سبأ 22-23]

وقال الشيخ الألباني: \"هذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة، إلى أن قـال: فـلا يلزم إذا من كون جاهه صلى الله عليه وسـلم عند ربه عظيما أن نتوسل به إلى الله تعالى؛ لعدم ثبوت الأمر به عنه صلى الله عليه وسـلم"(2) 

وقال العلامة الألوسي: \"وما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسـلم: \"إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاسألوا الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله تعالى عظيـم\"، لم يروه أحـد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث.(3)

مما ذكـرنا اتضح أن الحديث باطل لا أصل له. لكن لا يلزم من بطلانه نفـي الجـاه عنه صلى الله عليه وسـلم، بل نقول إن جاهه أعظم من جـاه جميـع الأنبياء، إلا أنه لا يلزم من ذلك أن نتوسل به؛ لأن التوسل أمر توقيفـي ولم نقف على نص من الكتاب أو صحيح السنة يثبت(4)  ذلك. والله أعلم.

 

الشبهة الثالثة عشرة:

حديث: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستعينوا بأهل القبور"(5)

الجواب:

يقال لهم هذا الحديث مكذوب باتفاق العلماء فلا يحتج به. قال شيخ الإسلام بعد ذكر هذا الحديث: "فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسـلم بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة\"(6).

وقـال أيضا: \"وما يرويه بعـض الناس من أنه قال: "إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور"، أو نحو هذا. فهو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء"(7).

وقال ابن القيـم: وهو يعد الأمور التي أوقعت عباد القبور في الافتتان بها، ومنها أحاديث مكذوبة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابر على رسول الله صلى الله عليه وسـلم تناقض دينه، وما جاء به كحديث  إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور(8)

ومما يؤكد أنه مكذوب ما يلي:

أولا: أن العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسـلم لأجلها عن الصلاة عند القبور إنما هي لئلا تكون ذريعة إلى نوع من الشرك، ومن المعلوم أن المضطر في الدعـاء الذي قـد نـزلت بـه نازلـة فيدعو لاستجلاب خير أو دفع شر حاله في الافتتان بالقبور إذا رجا الإجابة عندها أعظم من حال من يؤدي الفرض عندها في حال العافية. فإذا كـانت العلة التي لأجلها نهي عن الصلاة عندها متحققة في حـال من يتوسل بها كان نهيهم عن ذلك أوكد(9). وعليه فكل أمر يناقض هذا النهي فهو مكذوب.

ثانيا: أن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة رجاء أكـثر من رجـاء الإجابة في غير ذلك الموطن أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين ولا أئمة المسلمين، وقـد أجـدب الصـحابة مرات ومع ذلك لم يستسقوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسـلم، مما يدل على أن الحديث مكذوب(10)

ثالثا: أن الحديث يتعارض مع النقل الصريح، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر: 13-14]، وقـال صلى الله عليه وسـلم: \"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد\" يحذر ما صنعوا.(11)(12) وما يتعارض مع الكتاب أو السنة الصحيحة فهو مكذوب.

 

الشبهة الرابعة عشرة:

وهـى استدلالهم بآثار وحكايات ضعيفة أو موضوعة، وهي مهما كثرت أو صح شيء منها فلا دلالة فيها على جـواز التوسل بالجـاه أو الذات أو غيرهما من التوسل الممنوع، ذلك أن العقيدة الإسلامية توقيفية على الكتاب وصحيح السنة، وما سواهما إن وافق الكتاب والسنة الصحيحة أخذ به مؤيدا وليس دليلا، وإن خالفهما أو أحدهما فهو مردود، ونذكر شيئا منها مع بيان درجتها من الصحة والضعف وهل فيها دلالة على ما يزعمونه أم لا؟

الأثر الأول:

قال ابن حجر: \"وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قـال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسـلم، فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام، فقيل له: ائت عمر...\" الحديث.

وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأي المنام المذكور هو بلال بن الحـارث المزني أحد الصحابة(13). وممن استدل به السبكي وأحمـد بن دحـلان، والزهاوي، ومحمد الفقي، ومحل استدلالهم طلبه الاستسقاء من الرسول صلى الله عليه وسـلم بعد وفاته.(14)

الجواب: يقال لهم:

أولا: عدم التسليم بصحة هذه القصة؛ لأن مالكا الداري غير معروف العدالة والضبط، وهما شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، ولا ينافي هذا قول الحافظ بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان؛ لأن التصحيح ليس نصا في تصحيح جميع السند، بل إلى أبـي صالح فقط، ولولا ذلك لقال عن مالك الداري وإسناده صحيح، وعليه فالأثر ضعيف لجهالة مالك فلا يحتج به.

ثانيا: على فرض أن القصة صحيحة فـلا حجة فيها، لأن مدارهـا على رجـل لم يسم، كما أن فيها مخالفة للسنة من استحباب إقامـة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء، ولأن عمل الصحابة على خلافها وهم أعلم الناس بعد رسول الله بالشرع، ولذا لم ينقل عن أحد منهم أنه أتى إلى قبره صلى الله عليه وسـلم يسأله السقيا ولا غيرها، ولو كان مشروعا لفعلوه ولو مرة واحدة، بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل ذلك على أن ما فعله عمر هو الحق وأن ما فعله هذا الرجل - لو قدر أنه صحيح - منكر ووسيلة إلى الشرك.

وأمـا تسـمية السائل في رواية سيف المذكـورة (بـلال بـن الحارث) فمردودة أيضا؛ لأن سيفا هذا هو ابن عمر التميمي متفق على ضعفه عند المحدثيـن بل قال ابن حبان فيه: \"يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث\" ومن كانت هذه حاله فلا تقبل روايته لا سيما عند المخالفة .

الأثر الثاني:

قـال أحمد دحلان: \"ذكر السمهودي في خلاصة الوفاء أن من الأدلة الدالة على صحة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسـلم بعد وفاته ما رواه الدارمي في سننه عن أبي الجوزاء قال: \"قحـط أهل المدينة قحطا شديدا، فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فاجعلوا منه كـوة إلى السماء حتى لا يكـون بينه وبـين السماء سقف، فعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسـمي عام الفتق\"(15)(16). كما استدل به محمد الفقي.(17) وعبد الله الحسيني .(18)

الجواب:

يقـال لهـم: أولا: هذا الأثر غير صحيح فلا تقوم به حجة لما يلي:

أ- أن في سنده أبا النعمان- محمد بن الفضل- يعرف بعارم - اختلط في آخر عمره، قال الذهبي: تغير قبل موته وترك الأخذ منه، وقال البخاري: تغير في آخر عمره، والحكم فيمن اختلط أن لا يقبل حديث من أخذ منه بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ منه قبل الاختلاط أو بعده؟ وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أم بعده؟ فهو إذا غير مقبول.

ب- في سنده سعيد بن زيد - فيه ضعف- قال الذهبي: قال: يحيى بن سعيد ضعيف، وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي.

ج- في سنده عمـرو بن مالك النكري، قال الحـافظ في التقريب: صدوق له أوهام.

د- في سنده أبو الجوزاء أوس بن عبدالله، قال الحافظ في التقريب: يرسل كثيرا، وقال البخاري: في إسناده نظر.(19) وقـال محمد بشير بعد أن تكلم في سند هذا الأثر: \"فقد ثبت من هناك أن هذا الحديث ضعيف منقطع\"(20) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء، لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده، وإنما نقل ذلك من هو معروف بالكذب ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة )(21)

ثانيا: على فرض أنه صـحيح فإنه موقوف على عائشة - فلا يحتج بـه عند المحققـين؛ لأنه يصبح من الآراء الاجتهادية التي يخطئ أصحابها ويصيبون، والعقيدة توقيفيه لا مجال للاجتهاد فيها. إضافة إلى ذلك كله فإنه يعارضه ما روي عن عمر أنه أمر بتعمية قـبر دانيال خشية الافتتان به، فقد ذكر محمد بن إسحاق عن خالد بن دينار عن أبي العالية قـال: \"لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس، لا ينبشونه(22)

فانظر ما في هذه القصة من صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسـلم وتعمية قـبر هذا الرجل لئلا يفتتن به الناس،(23) هذا يؤكـد أنه مستحيل من رجال هذا صنعهم أن يبرزوا قبر رسول الله، أو يرضوا بذلك لأجل نزول المطر كما زعم من نقل هذا الأثر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)              انظر : قاعدة جليلة ص 129 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ج ص 30 والأسنة الحداد ص 232 .

(2)              التوسل للألباني ص 128، 129 وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة له ص 30 .

(3)              روح المعاني 6 ص 127 .

(4)              انظر قاعدة جليلة ص 29 والتوسل للألباني ص 129 .

(5)              روى هذه الشبهة عنهم شيخ الإسلام، انظر قاعدة جليلة ص 152 والفتاوى ج11 ص 293 .

(6)              قاعدة جليلة ص 152 .

(7)              اقتضاء الصراط المستقيم ص 337 .

(8)              إغاثة اللهفان ج1 ص 233 .

(9)              اقتضاء الصراط المستقيم ص 337، 338 (بتصرف) .

(10)         اقتضاء الصراط المستقيم ص 338 . (بتصرف) وإغاثة اللهفان ج 1 ص 223"" .

(11)         صحيح البخاري الصلاة (436)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531)، سنن النسائي المساجد (703)، مسند أحمد (6/274)، سنن الدارمي الصلاة (1403).

(12)         رواه البخاري ومسلم انظر جامع الأصول حديث 3670

(13)         فتح الباري ج 2 ص 495، 496

(14)         انظر : شفاء السقام ص 145 والدرر السنية ص9 والضياء الشارق ص 546، والتوسل محمد الفقي ص 154 .

(15)         سنن الدارمي ج 1 ص 43 عن أبي النعمان- عن سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء

(16)         الدرر السنية ص 20

(17)         انظر : التوسل محمد الفقي ص 155

(18)         انظر : إتحاف الأذكياء ص 35 .

(19)         انظر : التوسل للألباني ص 140، 141، وصيانة الإنسان ص 253، 254

(20)         صيانة الإنسان ص 254

(21)         تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري ص 68، 69

(22)         السير والمغازى ص 66

(23)         انظر : صيانة الإنسان ص 254، 255 والتوسل للألباني ص 141 وإغاثة اللهفان ج 1 ص 222- 228 .

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;