ابن المؤقت
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 943 قراءة
عالم مغربي بدأ صوفيا ثم اهتدى فنفع الله بمؤلفاته
محمد بن محمد بن عبدالله المؤقت المسفيوي أصلا المراكشي ولادة ونشأة، كان صوفيا أول أمره وألف في ذلك كتبا ثم رجع عن ذلك.
وقد ثارت الطرق الصوفية ضده لما كتب كتاب "الرحلة المراكشية" ويسمى أيضا "السيف المسلول على المعرض عن سنة الرسول" وشكوه إلى باشا المدينة ثم إلى الملك محمد الخامس، ورد عليه مقدم الطائفة التيجانية القاضي أحمد السكيرج بكتاب سماه "الحجارة المقتية لكسر مرآة المساوئ الوقتية" ثم رد عليه ابن المؤقت بكتاب بين فيه افتراءاته، إلا أن الكتاب صودر من السوق وأحرق مما يدل على أن المعركة بين الشيخ وخصومه بلغت ذروتها.
بلغت مؤلفاته أربعة وثمانين مؤلفا، طبع منها إحدى وأربعون، وأربعة ما تزال مخطوطة، وباقي هذه المؤلفات مفقود. منها "الرحلة المراكشية" و"الرحلة الأخروية" و"أصحاب السفينة" و"الجيوش الجرارة" و"الكشف والتبيان عن حال أهل الزمان" و"الحجة القوية على الطائفة اليهودية" و"مجموعة اليواقيت العصرية لتاريخ المشرق والمغرب" في ستة أجزاء و"السعادة الأبدية" و"لبانة القارئ من صحيح الإمام البخاري" و"بغية كل مسلم من صحيح مسلم" و"سبيل التحقيق في كشف الغطا عن مساوي كل طريق" و"سبيل السعادة في أحكام العبادة".
كان مؤقتا بالمسجد الجامع ابن يوسف، وله في التوقيت وعلم الفلك عدة مؤلفات. توفي بمراكش سنة ثمان وستين وثلاثمائة وألف هجرية وقيل سنة تسع وتسعين (1368هـ)(1).
موقفه من المشركين:
ذكر رحمه الله تفشي الذبح للقبور والأضرحة في زمانه ثم قال: وإن لم يكن هذا كفرا فجهل عظيم، وغباوة جسيمة، وفي صحيح الإمام مسلم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من ذبح لغير الله»(2). قال بعض العلماء: كالذبح على أضرحة الأولياء، وهذه الذبيحة لا تؤكل لأنها مما أهل به لغير الله، ويتناول صاحبها اللعن.(3)
وقال: وقد قلت في شدة لرجل يوما يستغيث ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني: قل يا الله. فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186]، فغضب، وبلغني أنه قال: إن فلانا منكر على الأولياء، وسمعت من بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل، وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والطغيان.(4)
وقال: وقد صح أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»(5) إلخ، ولـم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الخلق على كل خير أنه طلب من ميت شيئا، بل قد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول إذا دخل الحجرة النبوية زائرا: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف ولا يطلب من سيد العالمين عليه الصلاة والسلام ولا من ضجيعيه المكرمين رضي الله عنهما شيئا، وهم أكرم من ضمته البسيطة، وأرفع قدرا من سائر من أحاطت به الأفلاك المحيطة.(6)
وقال: ومن بدعهم الحلف بغير الله مع ورود النهي عن ذلك، فمنهم من يحلف بمن اشتهر في الوقت بالصلاح. ومنهم من يحلف بالأخوة والأبوة والطعام والمحبة، وأمثال هذا الخور الذي لا يخرج إلا من لسان أحمق أخرق لا يميز بين السماء والأرض، وكل هذا ورد النهي عنه، وقد جاء فـي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت»(7). فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» تعرف أن الحلف بغير الله، ولو مما عظم الله كالكعبة والأولياء منهي عنه شرعا.(8)
وقال: أما من حيث النذور في بلادنا اليوم، فلهم فيها ابتداعات قضت على أمر الدين، وتمكن إبليس اللعين من إدخال الفساد على الإسلام وأهله من هذا الباب حتى لا ترى مسلما اليوم إلا وهو بالوثني أشبه إلا ما قل، وقد جاء الإسلام بعقيدة التوحيد ليرفع نفوس المسلمين ويغرس في قلوبـهم الشرف والعزة والأنفة والـحمية، وليعتق رقابهم من رق العبودية لغير الله، فلا يذل صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفهم قويهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل.
وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى فكانوا ذوي أنفة وعزة وإباء وغيرة يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده في سلطانه قف مكانك، ولا تغل في تقدير مقدار نفسك، فإنما أنت عبد مخلوق، لا رب معبود واعلم أنه لا إله إلا الله.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى. فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وصرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعداؤهم السبيل إليهم فغلبوهم على أمرهم، وملكوا نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهنائها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي السبتي والجزولي والغزواني والتباع والسهيلي واليحصبي وأمثالهم في سائر الأقطار كما يقفون بين يدي الله.
موقفه من الصوفية:
قال تحت عنوان \"بيان ما عليه المدعون للصلاح وانتسابهم لطريق الصوفية\": وما هذه الطوائف الوقتية إلا تلوينات عوجاء، بل أفاعي رقطاء، ابتكرتها مخيلة شيطانية، ومهما أردت التفاهم من أحد منهم والتعرف إلى شخصيته وما تنطوي عليه ضلوعه من الأماني والرغبات، وقمت تبحث عنه في ميادين جهاده، وساحات حروبه ونضاله، وقعت على أعمال تأباها شريعة خير المرسلين.(9)
ثم قال: إنهم يلعبون بالشرع الشريف ويطبقون الدين على أهوائهم، ويفسرون القرآن بغير معناه، ويجعلون ذلك مصيدة للمال، ولا جدال في أن كثيرين من هذه الطوائف جناة على الأمة الإسلامية إما بجهلهم وجمودهم، وإما بتلاعبهم بالشرع، ومحاولتهم اصطياد الدنيا بشبكة الدين، وإذا قرعهم إنسان بما جاء من الكتاب أو السنة أطلقوا فيه ألسنتهم بالسب، بل ربما كفروه أو فسقوه أو رموه بكل شنيعة.
ثم قال: وأما إصلاح دينك فبمتابعة الكتاب والسنة المحمدية لا غير. وأما التصوف في عصرنا اليوم؛ فقد أصبح زيه حبالة للدنيا وشباكه يصطاد بها قلوب من لا يعرفون من الدين إلا اسمه، وما هو إلا اغترارات بأباطيل يختلقها الجاهل، وتمسكات بخزعبلات يفتريها المدعون بهذه الدعوة الفادحة.
ثم أورد في ذم التصوف نقولات عن ابن الجوزي من "تلبيس إبليس" وابن قيم الجوزية من "إغاثة اللهفان" وغيرهما. وأنكر ما عليه الصوفية من أعمال بدعية شنيعة مثل الرقص حالة الذكر(10) ، والسماع(11). ثم قال: وبالجملة فقد تأخر الأمر ودان جل الطوائف التي أصيب بها الإسلام بهمجيات خارجة عن الدين وانتصروا لأنفسهم وشياطينهم وحاربوا لأهوائهم أهل التقوى، ورأوا التمسك بالفساد أقوى.(12)
وبعد سرد جملة كبيرة من أسماء الطرق الصوفية بالمغرب قال: وهذه الطوائف كلها لو أردنا أن نأتي على جميع البدع والمفاسد التي تشبث بها عدد منهم، وما تولد منها لاحتاجت لمجلدات. وبكثرة هذه الطوائف وتباينها، انحط المغرب في أيامنا هذه وفيما قبلها بكثير، وسجل له على صفحات أيامه خرق وحمق ما بعده من خرق وحمق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدمة الرحلة المراكشية و"سل النصال" لعبدالسلام بن سودة (ص.139).
(2) أخرجه: أحمد (1/108) ومسلم (3/1567/1978) والنسائي (7/266/4434) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3) الرحلة المراكشية (ص.183).
(4) الرحلة المراكشية (ص.216-217).
(5) أخرجه: مسلم (2/669/974) وأبو داود (3/558-559/3237) وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6) الرحلة المراكشية (ص.218).
(7) أخرجه: أحمد (2/7) والبخاري (11/649/6646) ومسلم (3/1267/1646[3-4]) والترمذي (4/93/1534) وقال: \"حسن صحيح\". النسائي (7/7/3773) من طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(8) الرحلة (ص.299).
(9) الرحلة (ص.158-159).
(10) انظر الرحلة المراكشية (ص.171) و(ص.195).
(11) انظر الرحلة المراكشية (ص.168-169) و(ص.175).
(12) الرحلة (ص.189).
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق