logo

{وما تكون في شأْن..} ميزان لقلب المؤمن!

{وما تكون في شأْن..} ميزان لقلب المؤمن!

  • 0
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 47 قراءة

آية عظيمة من كتاب الله تعالى تهتز لها جنبات القلب المسلم؛ فَرَحا وفَرَقا في الوقت نفسه!

ففيها البشرى بتوفية كل عمل صالح مهما صغر أجره الكريم من السميع العليم.

وفيها الإنذار والتحذير من اطلاع العلي الكبير على شأن المرء كله؛ فأين المفر؟!

ذلكم قوله تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (يونس/61).

وفي هذا المعنى المتكامل لفهم الآية، والذي يمثل التصور المتوازن في قلب المسلم، يقول الشيخ \"السعدي\" - رحمه الله -:

\"يخبر تعالى، عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا، الدعوة لمراقبته على الدوام فقال: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} أي: حال من أحوالك الدينية والدنيوية. {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ} أي: وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك.

{وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} صغير أو كبير {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: وقت شروعكم فيه، واستمراركم على العمل به.

فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم، وما يكره الله تعالى، فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم.

{وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ} أي: ما يغيب  عن علمه، وسمعه، وبصره ومشاهدته {مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه. وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر، كثيرا ما يقرن الله بينهما، وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، كقوله تعالى:  {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}\" (انتهى كلامه رحمه الله تعالى).

وفي تصوير ما يقع في قلب المسلم من هذه المشاعر المتمازجة تجاه الآية الكريمة؛ من خوف ورجاء، ينتهيان - بإذن البر الرحيم - بالبشرى الكبرى، يوم الجزاء، يقول \"سيد قطب\" - رحمه الله -:

\"إن الشعور بالله على النحو الذي تصوره الآية الأولى من هذا السياق... شعور مطمئن ومخيف معاً, مؤنس ومرهب معا، وكيف بهذا المخلوق البشري وهو مشغول بشأن من شؤونه يحس أن الله معه, شاهد أمره وحاضر شأنه؟! الله بكل عظمته, وبكل هيبته, وبكل جبروته, وبكل قوته، الله خالق هذا الكون وهو عليه هين، ومدبر هذا الكون ما جل منه وما هان، الله مع هذا المخلوق البشري، الذرة التائهة في الفضاء لولا عناية الله تمسك بها وترعاها! إنه شعور رهيب، ولكنه كذلك شعور مؤنس مطمئن؛ إن هذه الذرة التائهة ليست متروكة بلا رعاية ولا معونة ولا ولاية.. إن الله معها...\".

ثم يقول - رحمه الله -: \"وفي ظل هذا الأنس , وفي طمأنينة هذا القرب . . يأتي الإعلان الجاهر: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

وكيف يخاف أولياء الله أو يحزنون والله معهم هكذا في كل شأن وفي كل عمل وفي كل حركة أو سكون؟ وهم أولياء الله، المؤمنون به الأتقياء، المراقبون له في السر والعلن؟

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} كيف يخافون وكيف يحزنون، وهم على اتصال بالله لأنهم أولياؤه؟

وعلام يحزنون ومم يخافون، والبشرى لهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟

إنه الوعد الحق الذي لا يتبدل {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}..\" (انتهى كلامه رحمه الله تعالى).

وهكذا يكون التوازن في قلب المؤمن شاهدا على إيمانه، ورائدا له ودليلا إلى البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة!

فهو في الحياة الدنيا، يحيا بين خوف ورجاء؛ وصبر وشكر. ومع ذلك فهذه الحياة (التي أمره فيها كله له خير) سجن ضيق يترقب الخروج منه إذا قيست بما ينتظره من نعيم الجنان بإذن الكريم المنّان!


تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;