logo

واستدار الزمان.. (التاريخ الهجري)

واستدار الزمان.. (التاريخ الهجري)

  • الشيخ بدر بن نادر المشاري
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 49 قراءة

محمد رسولنا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ بل هو نبي معصوم كل كلمة منه دين، وكل جملة منه سنة؛ فالجد منهجه، والحق مقصده، والإصلاح أمنيته، هو الذي أوتي جوامع الكلم، بأبي هو وأمي  صلى الله عليه وسلم، فتأمل قبسًا من قبسات النبوة {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:13،14]

فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\"إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ\"

إذنٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم

ففي شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا من مكة البلد الأول للوحي وأحب البلاد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، خرج من مكة مهاجرًا بإذن ربه بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلّغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة، فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد له صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، حتى آل الأمر بهم إلى التخطيط والمكر والخداع لقتله صلى الله عليه وسلم، حيث أجمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لابد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش، فقال عدو الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًّا جلدًا ثم يعطى كل واحد سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف (أي: عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم) أن يحاربوا قومهم جميعًا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها مكرًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ويمكرون ويمكر الله بهم كما قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، فأعلم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بما أراد المشركون وأذن له بالهجرة.

ومن ذلك الحين كلما استدار الزمان واستقبل المسلمون عامًا إسلاميًّا هجريًّا جديدًا تذكروا أجلَّ مناسبة عظيمة في الإسلام وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة الذي بها كوّن دولة إسلامية في بلد إسلامي مستقل يحكمه المسلمون.

لا تهنئة ولا عيد

لن نرضى أبدًا بتغيير هذا التاريخ الإسلامي الهجري على أن لا نجعل فيه ما لم يكن من ديننا وشرعنا بشيء، فنحن أمة متعبدة لا نشرّع شيئاً من العبادات والمواسم الدينية إلا ما كان ثابتًا بأمر ربنا أو بفعل وقول وإقرار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو عمله الخلفاء الراشدون والصحابة المهديون، فإن الخلق إنما أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، فمن تعبَّد الله بما لم يشرعه الله ولا رسوله؛ فعمله مردود عليه؛ لقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: \"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد\"، ومن ذلك التهنئة والاحتفال وإقامة الأعياد لدخول عام أو انقضائه، فهذه الأعمال ليست من السنة في شيء {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الحشر:7] .

فكل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة؛ فهو ابتداع المضلين، وهو من السبل المتفرقة التي تتفرق بمن اتبعها عن سبيل الله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

الهجرة هجرتان

الأولى: هجرة قلبية إلى الله بعبادته وحده لا شريك له وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعه وفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه كما قال :صلى الله عليه وسلم \"وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ\" رواه البخاري، وهذه الهجرة ملازمة للمسلم طوال حياته لا يتركها أبدًا؛ فعَنْ أَبِي هِنْدٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ وَقَدْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ فَتَذَاكَرْنَا الْهِجْرَةَ وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ انْقَطَعَتْ، وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ لَمْ تَنْقَطِعْ فَاسْتَنْبَهَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ فِيهِ فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ قَلِيلَ الرَّدِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا\" رواه أحمد.

والثانية: هجرة بدنية وهي تتضمن الهجرة القلبية وهي الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وتجب عند الحاجة إليها إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه في بلاد الكفر {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:100] .

إذًن يا كل مسلم:

- هاجِر من المعتقدات الباطلة والشرك بالله، إلى تصحيح ذلك بالتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة.

- هاجِر من ظلمة العصيان إلى نور الطاعة والإيمان.

- هاجِر من كثرة الإقبال على اللذات والشهوات، إلى الخوف من مقام الرب ونهي النفس عن الهوى.

- هاجِر من الجهل والقسوة، إلى العلم ونور البصيرة والرحمة.

- هاجِر من الفوضوية والشتات في الأوقات، إلى التنظيم والترتيب والحرص على سائر اللحظات في طاعة رب الأرض والسموات. 

- هاجِر من إفلات الجوارح والأعضاء لتفعل ما تشاء، إلى ضبطها وحفظها عن الحرام وتحصينها بما أمر به الله. {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].

وباختصار:

هاجِر عن كل ما ينهى الله عنه ويبغضه، إلى كل ما يأمر الله به ويرضاه.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;