logo

مظاهر التوحيد في الحج (2)

مظاهر التوحيد في الحج (2)

  • الشيخ محمد صالح المنجد
  • 2023/11/16
  • 1 تعليق
  • 53 قراءة

فضل الأضحية ووقتها

هذه الأضحية العبادة العظيمة التي هي سنة الخليل، لما فدى الله ولده بذبح عظيم، وقال لنا ربنا: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} سورة الممتحنة4. تقرب إلى الله عز وجل، واقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ضحى عشر سنوات في المدينة، إلا السنة العاشرة، فقد كان في مكة، هذه الأضحية التي هي سنة المسلمين كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من ضحى قبل الصلاة فقد ذبح لنفسه) ليست أضحية (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين)1. فقوله: سنة المسلمين، يدل على أهميتها، ومن ضحى في الوقت الشرعي فقد أصابها، ويجوز أن يذبح بعد صلاة العيد والأفضل بعد الخطبتين، فهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، صلى ثم خطب ثم ذبح، هذه الشعيرة العظيمة، التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلنها عندما يخرج بأضحيته إلى المصلى ليذبحها هناك بعد الخطبتين إظهاراً لهذه الشعيرة أمام الناس، ولذلك فإن ذبح الأضحية أفضل بكثير من الصدقة بثمنها، إنهار الدم لله هنا أفضل بكثير من توزيع مال وقد ذكر الله هذه العبادة في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} سورة الكوثر2.  أي: وانحر لربك، وربما قال: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} سورة الحـج 37. فإذن الأضحية فيها تقوى، تقرب إلى الله، ومن استطاع أن يذبحها فليفعل، فإن فيها سروراً وتوسعة على الأهل، وشكراً لنعمة الله {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة الحـج 36.  وتنفيذاً للعبادة العظيمة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} سورة الكوثر2. وإذا ذبحها بيده فهو أفضل، وإذا لم يفعل حضر ذبحها، فإذا لم يفعل فلا بأس عليه، قال ربنا: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} سورة الحـج 34. فذكر الله عليها عبادة عظيمة تزيد الإيمان، هذا المنظر المهيب ذكر اسم الله والتكبير عند الذبح، قال ربنا: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} سورة الحـج 36. والأكل منها عبادة كما قال ربنا: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} سورة الحـج36.فالأكل منها بركة ليس كالأكل من أي ذبيحة أو أي طعام آخر، ولما فقد أهل الأوطان الذهاب إلى الحرم، وذبح الهدي هناك، جعل لهم ربنا ما يقيموا به شعائره حتى في بلدانهم، وشرع لهم مشابهة الحجاج في شيء من أحكام إحرامهم، فقيل لهم: (من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره، ولا يحلق شيئاً من شعره في عشر الأول من ذي الحجة)2. حتى يضحي، فهذا مما كرّم الله به المضحين من مشابهة الحجاج في بعض أحكام إحرامهم، ذهبوا وقعدنا، ولذا فإن من تسلية القاعدين هذه الأضحية، وهذه الأحكام، الأضحية من أمارات التوحيد، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ سورة الأنعام162. وأيضاً فإن هذه العبادة العظيمة التي تكفي فيها الذبيحة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، هذه الأضحية العظيمة التي فيها التوسعة على أهل البيت، وصلة الرحم، والجيران، والأقارب، وكذلك الإخوان في الله، والأصدقاء بالإهداء منها، والفقراء بالصدقة عليهم، فإنهم قليلاً ما يأكلون اللحم؛ لأنهم لا يملكون ثمنه، فجعل الله لهم في هذا اليوم لحماً كثيراً يتصدق به عليهم، حتى لا ينسى الأغنياء الفقراء من الطعام الرفيع الذي لا يستطيعون تحصيله في كثير من أيام العام.

 الأعمال التي تشرع يوم العيد وأيام التشريق

إن من شعائر ديننا، صلاة عيد الأضحى، وسوف تكون في هذا المسجد إن شاء الله صبيحة يوم العاشر عيد الأضحى، وعيد الفطر لا ثالث لهما رغم أنف من يريد التشبه بالكفار، فلا عيد لنا إلا في هذين اليومين، ولذلك نهينا عن صيامهما؛ لأن الصيام لا يتناسب مع معنى العيد فيما فيه من الطعام، والشراب، والتوسعة، وإظهار الفرح بما أنعم الله عز وجل على الإنسان، وأيام التشريق تابعة ليوم العيد في هذه التوسعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)3.

والتوسعة وإظهار السرور يتناسب معهما المعنى الموجود في هذه الأضحية، ويوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق لا يصومه الحاج إلا أن يكون ليس عنده هدي، وهو متمتع، أو قارن فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج غير يوم العيد، وسبعة إذا رجع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: \"جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم\"، وأيضاً فإن التجمل فيه سنة، كما أراد عمر رضي الله عنه أن يعطي الجبة للنبي صلى الله عليه وسلم ليتجمل بها للعيد والوفود، وتخصيص ليلة العيد بشيء من العبادات ليس من السنة بل هو بدعة، فالقيام فيها كالقيام في غيرها، وبعض الناس يسأل عن حكم التعريف، وهو الاجتماع في المساجد الكبار يوم عرفة دعاءاً جماعياً، فهذا ليس من السنة في شيء، وإنما التعريف هو اجتماع أهل عرفة بعرفة وهم الحجاج، وصلاة العيد سنة مؤكدة وقال بعض العلماء بوجوبها كأبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم من أهل العلم، قال الشوكاني رحمه الله: \"ومن الأدلة على وجوبها وجوباً مؤكداً أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجباً \". والنبي عليه الصلاة والسلام قد أمر النساء بالخروج للعيد، وأمر من لم يكن عندها جلباب أن تلبسها أختها من جلبابها، تستعير، والأمر بالحضور حتى لو تستعير يدل على أهمية هذا الحضور، وعندما يؤكد عليه حتى للحيض من النساء فإن ذلك يعني بأن صلاة العيد لها موقع خاص في الدين، ولذلك ذهب من ذهب من أهل العلم إلى وجوبها على الرجال والنساء، وهي رواية عن أحمد ومذهب بعض المالكية، واختيار شيخ الإسلام، وابن القيم، وغيرهم من أهل العلم.

والسنة في صلاة العيد أنها تقام في المدن والقرى، لا البوادي، ولا في طريق السفر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وأهل البادية يذبحون بعدما يعرفون أن أهل البلد القريبين قد صلوا صلاة الأضحى، ومن فاتته صلاة العيد يستحب له أن يقضيها على صفتها، وكذلك فإن من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام لا يجب عليه قضاؤها؛ لأنها سنة فات موضعها، وأيضاً فإنه لا يشرع للنساء أن يصلين في بيوتهن ؛ لأنها صلاة شرعت على وجه الاجتماع، فلذلك صلاتهن تكون مع المسلمين في مجامعهم ومصلياتهم.

وهذا العيد الذي سيأتي فيه استحباب لمزيد من التكبير عند الخروج إليه، وإلا فإن التكبير عبادة سائرة، تكبير مطلق وتكبير مقيد في هذه الأيام، ويستحب له التنظف، ويهنئ المسلمون بعضهم بعضاً، وإذا خرج من طريق رجع ماشياً من طريق آخر، ليشهد له الطريقان عند الله، ولكي تحدث الأرض بما عمل عليها من المشي إلى عبادة الله عز وجل، وانتشاراً من أماكن العبادة، ليس هناك أذان ولا إقامة لصلاة العيد، فتفعل في وقتها الشرعي، في الضحى بخطبتين يفصل بينها بجلوس، وحضور هاتين الخطبتين سنة، ومن حضر فلا يلغو، ولا يشوش على غيره.

إنهار الدم لله عبادة

ونحن نتكلم عن إنهار الدم لله، نتذكر أنهار الدم التي تسفك في الشام واليمن، وغيرها من بلاد المسلمين، إنهار الدم لله عبادة، وأنهار الدم التي تسيل من دماء إخواننا إجرام، فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن ينصر إخواننا المستضعفين، اللهم ارحمهم برحمتك، اللهم ارحم قتلاهم، واشف جرحاههم، وآو شريدهم وطريدهم، واحمل حافيهم، وأطعم جائعهم، واكس عاريهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ومن أسفل منهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالمجرمين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقصم ظهور هؤلاء الطواغيت يا رب العالمين، اللهم من تسلط على المسلمين فسامهم العذاب فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعله وجنوده آية للعالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا أن تنصر إخواننا المستضعفين، وأن تجعل دائرة السوء على أعدائهم على المجرمين يا رب العالمين، اللهم أنت الجبار القوي، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم خذ هؤلاء المجرمين، اللهم اقطع دابرهم، اللهم أرنا فيهم آية، واجعلهم عبرة للآخرين يا رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

____________

1 - رواه مسلم 1961.

2 - رواه النسائي4362 .

3 - رواه مسلم 1141 .

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;