logo

الشيخ د.ناصر العمر: الأمة تمر بمرحلة من أفضل مراحلها.. وتدل على رهبة الأعداء وتآمرهم عليها!

الشيخ د.ناصر العمر: الأمة تمر بمرحلة من أفضل مراحلها.. وتدل على رهبة الأعداء وتآمرهم عليها!

  • دعوة الأنبياء ـ خاص:
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 562 قراءة

· العلماء الربانيون هم قدوات الناس في ظلمات الفتن والمحن.

· الدعوة داخل بلاد الإسلام جيدة ولكنها لا تكفي ولا تكافئ الحاجة!

· تبليغ الدين لا يقتصر على المختصين.. وكل مسلم يدعو بما يعلمه بيقين!

· إذا ابتعدت الأمة عن علمائها فهذا دليل انحراف وبُعد عن الطريق!

· حقائق انتصار الأمة جمعت في آية من كتاب الله تعالى!

· هذا هو السبيل إلى استعادة الأمة لمجدها وريادتها..!

· كلمتي لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

          أنتم على جهاد عظيم.. وأنا فرح بهذا المشروع!

في لقائه مع موقع دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام).. تحدث فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر (رئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم والمشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم) عن واقع الأمة الإسلامية والتحديات التي تواجهها.. والسبيل إلى استعادة الأمة لمجدها وريادتها، وأهمية دور العلماء الربانيين والدعاة إلى الله على بصيرة في إرشاد الناس لتحقيق التوحيد والبعد عن محدثات الأمور والبدع، وأنهم قدوات الأمة.. خصوصا في أحوال الفتن والمحن. كما أجاب عن العديد من التساؤلات التي تشغل طلاب العلم والناس، ولفت إلى وقفات تدبر نافعة في كتاب الله تعالى، واعتبر فضيلته أن المرحلة الحالية من عمر الأمة (بخلاف تصور الكثيرين!) من أفضل مراحل الأمة! إلى غير ذلك من الفوائد والتوجيهات في حوار الشيخ الكريم.. حفظه الله ونفع بعلمه..

 

فضيلة الشيخ.. ترون ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من ضعف وهوان.. في رؤيتكم ما أهم أسباب هذا التراجع والضعف؟!

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..

أشكر لموقع دعوة الأنبياء إتاحة هذه الفرصة للقائي بالمتابعين لهذا الموقع المبارك والمتميز.. من خلال هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله أن ينفع بهذه الكلمات وأن يرزقنا الصدق والإخلاص..

أولًاً: لا أريد أن أقبل السؤال على سياقه.. فالقول بأن الأمة تمر بضعف وهوان فيه ضعف! بل إنني أرى أن الأمة تمر بمرحلة من أفضل مراحلها، ومن أقوى الأدلة عندي على ذلك هو رهبة الأعداء واجتماعهم على هذه الأمة وتآمرهم عليها ورسم الخطط وبذل الأموال في حربها، فلو لم يكن لها شأن لما التفتوا إليها..

ولهذا فأقوى دليل على ذلك هو رفع راية الجهاد في هذا العصر الذي لم تكن فيه كذلك قبل أربعين أو خمسين سنة، ولكن منذ حرب أفغانستان ثم الانتصار في طرد الروس من على أرضها إلى يومنا هذا.. ما مرت به الأمة كله يدل على أن سوق الجهاد قائمة، وهذا من أشد ما يغيظ ويضير الأعداء، فهذا لا يدل على ضعف وهوان.. ولو كان كذلك لما أنفقت الأموال وعقدت المؤتمرات وتآمر الأعداء على أمتنا.. نعم قد توجد مظاهر ضعف في بعض البلاد الإسلامية، قد يوجد كيد يحيكه الأعداء، هذا لا شك فيه، لكن الله جل وعلا بيّن أن هذا من سنن الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة. هذه هي رؤيتي فيما يقع الآن، والله الموفق.

 

وكيف ترون السبيل إلى استعادة الأمة لمجدها وريادتها؟

السبيل هو كما قال الله جل وعلا: {وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، وقوله سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.. هذا هو العلاج وهذا هو الطريق كما في سورة آل عمران، الرجوع إلى كلام الله جل وعلا وإلى تدبر كلام الله عزّ في علاه وإلى الأخذ بما ورد فيه هو السبيل، كما دلنا على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال: \"وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله\"  كما في حديث جابر في الحج، وجاء الحديث أيضًا في رواية أخرى: \"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي\"، والله  تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا..} ويقول سبحانه في سورة الحديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ويَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ويَغْفِرْ لَكُمْ} جمع حقائق الانتصار في هذه الآية! فإذا رجعنا إلى القرآن وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي لخصها الإمام مالك بكلمة واحدة (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها).. وأقول: ما صلح أولها إلا بالكتاب والسنة وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} العبرة هنا الصدق والإخلاص وليس غيره.

 

ما موقع العلماء في مواجهة تحديات الأمة؟

العلماء الربانيون، هم القدوة، وإذا ابتعدت الأمة عن علمائها فهذا دليل انحراف وبُعد عن الطريق.. كما قال الأول:

تاه الدليل فلا تعجب إذا تاهوا!

فإذا كان القائل ليس متخصصًا وليس متمرسًا فإنه سيُضل من يمشي وراءه، والعلماء كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم كالنجوم يهتدى بها {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.. فتجد أن من في لجة البحر وفي ظلمة الليل قبل اكتشاف هذه الوسائل الحديثة كانوا يهتدون بالنجوم ويعرفون الطريق بالنجوم؛ لأن النجوم مضيئة وتسير على ناموس ثابت؛ فكذلك العلماء في الظلمات والفتن والمحن يقودون الناس إلى طريق السلامة، ولكن أقصد العلماء الربانيين الملتزمين بمنهج السلف الصالح المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن مجرد العلم وحده لا يكفي! فقد يكون بعض المنتسبين للعلم أشد إضرارًا بالأمة من الجهال؛ ولذلك ضرب الله لذلك أسوأ مثلين في القرآن.. مثل الكلب ومثل الحمار؛ فمن عنده علم كما في سورة الأعراف: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا} فختم الآية: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ} حتى إن الآية فيها لفتة عجيبة، قال: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} فأصبح الشيطان هو الذي يتبع هذا العالم، بدل أن يتبع هو الشيطان! فقوة إغوائه أكثر من إغواء الشيطان! وحتى أصبح في سياق الآية كأن الشيطان تابع له!

وفي سورة الجمعة شبّه الله اليهود بالحمار، كمثل الحمار يحمل أسفارا {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ}. فلذلك على العالم أن ينتبه أن تزل قدمه، زلة العالم خطيرة جدًا وضلال مبين، لكن الحمد لله الأمة فيها من العلماء الصادقين المخلصين من إذا اتبعهم الناس كانوا في نجاة.. فهذا يحمّل العلماء مسؤولية كبرى في سلامة المنهج، في تحقيق التوحيد، في البعد عن محدثات الأمور والبدع، وعدم التنازل في دين الله؛ لأنهم كما قال ابن القيم رحمه الله، هذا العالم الرباني تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمهما الله جميعًا) في كتابه \"إعلام الموقعين عن رب العالمين\".. فأنصح العلماء وطلاب العلم الرجوع لهذا الكتاب وهذا السفر العظيم؛ لأنهم موقعون عن رب العالمين.. فليحذروا من زلة يزلّ بها من خلفهم.

 

كيف يمكن أن نعيد ونتمثل سيرة علماء السلف الصالح في واقعنا المعاصر؟

الحمد لله.. أولًا هناك كثير الآن من العلماء المقتدين بعلماء السلف، ولكن إذا درسنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الحقيقية ومن جاء بعدهم من التابعين من خير القرون.. ندرس حياتهم وكيف واجهوا الأزمات والفتن.. وبخاصة أنهم مروا بفتن عظيمة جدًا؛ فإذا اقتدينا بهم فإننا نعيد ذلك، ولما ذكر الله الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) في سورة الأنعام قال {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}.. فإذا اقتدينا بالأنبياء وبنبينا (عليهم الصلاة والسلام) وبالصحابة رضي الله عنهم وبالسلف الصالح وبالقرون الفاضلة استطعنا أن نعيدها.. فهو سهل لأن الله لا يكلف بما لا يطاق؛ فهو سهل ميسر \"تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك\" فليس في الأمر شدة أو مشقة أو غموض، كلا، بيضاء! هل يضير الإنسان أن يمشي في وسط الضحى في الطريق؟! لا أبدًا.. ربما في الليل يحتاج إلى مزيد من الجهد والاجتهاد، لكن في الضحى... \"تركتكم على البيضاء\" أصفى ما يكون النهار! هكذا تركنا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا التزمنا بسنته صلى الله عليه وسلم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ...} فبهذا نحقق الخيرية ونحقق القدوة الصالحة والنجاة للأمة.

 

ما نظرتكم وتوجيهكم تجاه مظاهر الشرك المنتشرة في كثير من البلدان الإسلامية؟

لا شك في أن الشرك موجود في الأمة ومن قديم، ولكن لي وجهة نظر.. أن لا نضخم هذا الأمر بانتشاره؛ لأننا عندما ننشره ربما نكون سببا لتساهل الناس فيه. أرى أن نجتهد في معالجته ولكن دون إظهار لهذه الأعداد... لأن الله جل وعلا قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ...}؛ فإذا كان شيوع الفاحشة يسهل ارتكابها , فكذلك إشاعة وجود أحد الشركيات وأرقامها.. كأننا نعلن أن الأمة في شرك وكفر.. وهذا لا ينبغي.. نعم الشرك موجود.. والخير موجود.. والتوحيد موجود، والحمد لله، وعلينا أن نعالج هذه الشركيات وهذه البدع بحكمة وبصيرة، وتكون (الأعداد والأرقام) للمتخصصين أي لا تنشر للعامة.. أنا أفرّق بين تبليغ طلاب العلم والعلماء والدعاة وإرسال حقائق لمن يدعمون هذه المشاريع؛ هذا لابد منه. أما أن ينشر للعامة ويقال فيها كذا من الشركيات والبدع.. فيخرج للإنسان العامي وكأن الأمة كافرة والعياذ بالله أوفي جاهلية.. هذا لا ينبغي! بل الأمة فيها خير والحمد لله، والتوحيد موجود، وأهل السنة كثيرون. وقد ذكر العلماء، ومنهم شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، كما بلغني، أن أكثر الأمة على منهج السلف، حتى من ينتسبون تقليدًا إلى بعض البدع، قد يكون في الحقيقة ليس عندهم هذا التصور عن البدع، إنما هم يقلدون، وإلا لو ناقشتهم حقيقة لوجدت أن عندهم الفطرة والتوحيد مع أخطاء.. لا أقلل من هذه الأخطاء ولا أميّع القضية، كلا، بل يجب أن أشيع في الناس الخير وأن الأمة فيها خير.. ولكن فيها أمراض تعالج بقدرها، فالتركيز على عدم إشاعة ذلك مع أهمية معالجته. والله أعلم.

 

وما رأيكم فيمن ينفي انتشارها أو يقلل من خطورتها وأهمية التصدي لها؟

هذا خطأ! فرق أن أقول \"عدم\"..! وحتى يفهم كلامي على حقيقته أنا أقول: هي موجودة وخطيرة ومؤثرة وطالت كثيرًا من المسلمين، لكني أقول: لا ينشر هذا ويوسع، ولكن يقدم بأرقام حقيقية مدروسة أولًا للمختصين.. للعلماء ولطلاب العلم وللدعاة وللمتبرعين؛ حتى تقام المشروعات لمكافحة هذا الشرك وما فيه من المستحدثات.

أما إنكار ذلك فهذا في الحقيقة كإنكار لأمر محسوس مشاهد، وهذا لا يعالج القضية، لكن علينا أن ننتبه لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: \"من قال هلك الناس فهو أهلكُهم\" وفي رواية: \"أهلكَهم\"! فالذي أتحدث عنه أن لا نعمم الهلاك بالناس؛ لأنك عندما تنشر هذا وبقوة فكأنك تقول: الناس خرجوا.. ومثل: هلك الناس.. نحن في وضع جاهلي.. نحن... إلخ. هذا ما ينبغي، أما تحقيق بأرقام وتبلغ للمختص كما في باب \"من خص بالعلم قومًا دون آخرين\" كما بوّب البخاري رحمه الله؛ فهذا من العلم الذي أرى أن نخص به! والنبي صلى الله عليه وسلم في قضية الفتن خص بها حذيفة رضي الله تعالى عنه، لم يحدث بها في الكل، مع أنهم الصحابة رضوان الله عليهم؛ فتخصيص حذيفة بصفة خاصة يدل على أن مثل هذه القضايا تُعطى للمختصين. وهكذا تجد النبي صلى الله عليه وسلم يخص أقوامًا دون آخرين في بعض المسائل، وأيضًا كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه: \"ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة\"! فأنت عندما تنشر هذا الأمر وتدعمه من باب حث الناس على معالجته قد يكون فتنة لبعضهم، بل قد يكون سببًا لذهاب بعض هؤلاء لهذه الأماكن، قد يكون بعضهم وهو ضعيف الإيمان وضعيف العلم يقول: أرى وأنظر... ثم يصاب بفتنة! وكان العلماء لا يرون قراءة كتب أهل البدع، وإنما تكون خاصة. كذلك أيضًا نشر البدع والكلام عنها يدخل في هذا الباب، فهذه المسائل علينا أن ننتبه لها؛ حتى لا يأتي الأمر بخلاف ما أردنا! والنية الحسنة لا تكفي وحدها!

 

ما تقييمكم لواقع الدعوة داخل بلاد الإسلام؟ وكيف يمكن الارتقاء به؟

الدعوة جيدة، ولكن لا تكفي! الحقيقة أنها لا تكافئ الحاجة!

الأمة بحاجة إلى مشاريع عظيمة وإلى برامج وإلى كليات وإلى مدارس، المهم عودة الأمة إلى منهج السلف الصالح، المهم الصدع بالتوحيد ونشر التوحيد وبيان ما التوحيد الحقيقي؛ لأن الكل يقول نحن موحدون! ولذلك أذكر مثلًا أن الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله دعته جامعة الدول العربية عند إنشائها لحضور مؤتمر يتعلق بتوحيد الأهلة في دخول رمضان في الدول العربية لأن اسمها جامعة الدول العربية، فرد عليهم بأن أرجع الملف دون النظر فيه.. قال: الأمة تحتاج إلى من يوحدها على التوحيد، من يوحدها على لا إله إلا الله، أما مسألة الأهلة فهي مسألة مختلف فيها من قديم الزمان من وقت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد النبي صلى الله عليه وسلم، أي من وقت الصحابة رضي الله عنهم، والمسألة فيها الاجتهاد مع اختلاف المطالع فيصعب توحيدهم فيها، ولكن وحّدوهم على \"لا إله إلا الله\"! فهذا الصحيح.. يجب أن نوحد الناس على لا إله إلا الله، وهذا يحتاج إلى جهود عظيمة جدًا في بث التوحيد وبيان حقيقته، وهذا ما فعله الأئمة والمجددون على مدار التاريخ، ومنهم الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنه لم يُكثر من النظريات، بل كان تركيزه على حقيقة التوحيد وفهم التوحيد؛ فحقق الله على يديه ذلك حتى وصلت دعوته إلى روسيا وإلى أقصى أقطار الأرض، فهذا هو الصحيح، وقال تعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} وأذن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالحج.. وما هو الأذان؟ الأذان كما تعلمون يحقق التوحيد، والحج يحقق التوحيد، فبلغ الله أذانه  حتى وصل أذانه إلى أقصى الأرض، فإذا سعينا في هذا الباب ونشرناه للقضاء على الشركيات والبدع وغيرها فنحتاج إلى جهود عظيمة، مع أن الجهود موجودة والحمد لله، ولا نقلل منها، ويجب العدل في مثل هذه المسائل والتوازن عند طرح هذه القضايا.

 

هل تؤيدون قصر الدعوة إلى الله على المختصين الدارسين؟

لا.. ليس هكذا.. النبي صلى الله عليه وسلم يقول \"بلغوا عني ولو آية\".

المهم من يبلغ أن يكون عنده آية، أن يكون عنده حديث، يجب أن نقول: لا يبلغ أحدًا بشيء إلا بما يعلم، فالرجل العامي قد يكون في فطرته وتوحيده أفضل من بعض من ينتسبون إلى العلم.. في بعض البلاد الإسلامية تجد رجلًا عاميًّا كمن تتلمذ وتأثر بدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب، أفضل من بعض كبار العلماء في بعض دول أخرى لم يتحققوا في معرفة التوحيد والعقيدة وتجد عندهم البدع مع أنهم فطاحل في العلم! القضية إذن من عنده علم يجب أن ينشره \"بلغوا عني ولو آية\" فإذا مرت قضية فيها بدعة أو شرك وهو يعرف (الحكم).. حتى لو لم يحمل شهادة ولم يكن من العلماء فإنه يستطيع أن يبلغ هذا الدين!

أما \"المختصون\" (وتصور قصر التبليغ عليهم) فهذا في الحقيقة لا ينبغي وغير صحيح، وربما يستغل كسلاح ذي حدين، له وجه إيجابي ووجه سلبي!

فالشاهد: يجب ألا يدعو الإنسان إلا بما يعلم، فإذا كان يعلم أي حقيقة من حقائق الدين بثقة ويقين.. يبلغها ويدعو إلى الله جل وعلا، دون أن نخصص ذلك بالدارسين أو المتخرجين أو حملة الشهادات! الشهادات الحديثة لم تكن موجودة من قبل، وكانت الأمة كلها تدعو.. الكبير والصغير والعامي، في إندونيسيا دخل الدين على أيدي التجار.. وماليزيا على أيدي التجار.. بالجملة يصنفون أنهم عوام، لكنهم أقاموا الصلاة وأقاموا التوحيد وأقاموا شريعة الله بمقدار ما بلغوا، أسلمت بلاد تعتبر من أكبر البلاد الإسلامية؛ فلذلك يجب أن نؤكد على هذه الحقيقة، وأن نشعر بأن الأمة كلها مطالبة بتبليغ هذه الدعوة، خصوصًا أن التوحيد يعرفه الكبير والصغير والرجل والمرأة، والحمد لله، أي الذين تربوا على مناهج الدعوة ولو كانوا عوامًّا.. فيبلغون ما معهم لمن يجهل ذلك ولو كانوا علماء؛ فقد يأتي عامي ويدعو عالمًا، نعم! يكون العالم عنده علم بالشريعة ولكن ضعيف في عقيدته.. في توحيده، وهذا العامي يكون ممن تربي على قيم التوحيد. فهذا واضح ومشاهد ومجرب؛ فلا نقصره باسم الشهادات أو على المختصين أو غير ذلك، إنما نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: \"بلغوا عني ولو آية\".

 

ما رؤيتكم بشأن الاستفادة من التقنيات الحديثة في الدعوة والتوجيه والتربية؟

 هذه الوسائل سلاح ذو حدين، والحمد لله.. الطرق المثلى استخدامها فيما أمر الله {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فهذا مما خلقه الله لنا وهيأه لنا، وأصبح الرجل في بيته في غرفته يدعو الناس في مشارق الأرض ومغاربها، ومن المهم أن تقام المؤتمرات حول كيفية الإفادة منها؛ فكثير من الناس يبذلون جهودًا ضخمة في الدعوى دون الإفادة من هذه التقنيات، ولكنه لو درس طريقة الإفادة منها سيستفيد في أمور كثيرة ويقلل على نفسه الجهد والزمن والمال. وهذا باب عظيم؛ لأن هذه الوسائل المحدثة وسائل يجوز فيها الاجتهاد فهي من الوسائل التي أنعم الله بها فاستثمارها للخير بدل أن تستثمر في الشر كما هو واقع.

إذن الأمر يحتاج إلى الرجوع إلى المختصين في التقنيات الحديثة، أن يبدعوا في طريقة استعمالها واستثمارها بالضوابط؛ لأن هناك من زلت به القدم بسبب دخوله في بعض هذه التقنيات وعدم الإحسان في التعامل معها!

 

شكر الله لفضيلتكم ما تفضلتم به.. ونأمل في ختام هذا الحوار المبارك توجيه كلمة للقائمين على موقع دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) والعاملين فيه؟

كلمتي للقائمين عليه أقول:

أنتم في الحقيقة أيضًا على جهاد عظيم جدًا، ولا أخفيكم أنني فرح بهذا المشروع.. دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وبخاصة أنه ركز في دعوته على التوحيد الصحيح، على التوحيد الخالص {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} بطرق وأساليب حكيمة وبعيدة النظر، حتى إن اسمه اسم رائع.. دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)! وهل جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا بالتوحيد؟ هل جاء الأنبياء  عليهم الصلاة والسلام  إلا بـ\"لا إله إلا الله محمد رسول الله\"؟

فلذلك أنا فرح بهذا المشروع، وأقول إن أمامكم فرصة عظيمة جدًا فانطلقوا في أقصى الأرض، عبر هذا الموقع المبارك وعبر الوسائل الإعلامية الأخرى المتاحة، وأنصحكم بالتوسع في استعمال التقنيات وعدم الاقتصار على الموقع، فهناك القنوات الفضائية.. هناك الكتب.. كلها موجودة، وأحسب أن الإخوة القائمين على هذا المشروع يقومون بشيء من ذلك، ولكن الطريق أمامهم طويل ويحتاج إلى جهد، أرجو أن لا تكون بعض العقبات سبب التأخر، كأن يُقال: لا يتوفر لدينا مال!... لا أرضى بهذه التبريرات؛ إذا اتقوا الله جل وعلا اصطفاهم الله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى * وصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} هذه الآية عظيمة جدًا، هذه السورة بعد أقسام عظيمة {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى * والنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى * ومَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنثَى * إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ثم جاء التقسيم {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى * وصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، فلو جاء الآن أحد كبار التجار وقال لموقع دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام): أنا مستعد بأي مبلغ تريدونه... فانطلقوا بشروط.. ووضع لهم بعض الشروط الممكنة... لفرحوا فرحًا شديدًا ولشعروا أنهم حققوا انتصارًا عظيمًا.. وهذا ليس بصحيح.. فإن التاجر قد يغير رأيه.. قد يكون لديه الدعم الكافي.. قد.. قد.. فكيف والوعد وعد الله؟! {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى * وصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} وهذا  أمر مشاهد وواقع، طبقوا هذه الشروط واتقوا الله جل وعلا، اتقوه في دعوتكم وانتظروا ما عند الله، بعيدًا عن سمعة أو غير ذلك أو مطالب دنيوية؛ فسترون العجب وسترون الانتشار وسترون القبول بإذن الله، المهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.. هذه الآية تهزني كثيرًا! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.. إذا كنتم مع الصادقين فسترون العجب وسترون الانتشار!

أسأل الله أن يبارك في هذا المشروع وفي العاملين على مؤسسة دعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وأن يبارك في جهودهم. وأقول: نعم.. العقبات طبيعية {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} ؟! المهم.. حذاري أن يتوقف المشروع أو أن يضعف المشروع أو أن نستسلم للعقبات، هذا لا يليق أبدًا! أسأل الله لكم التوفيق والسداد.

وكَمْ أهنئ الإخوة القائمين على هذا المشروع العظيم؟! هنيئًا لهم وهم يدعون إلى توحيد الله جل وعلا وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى منهج السلف الصالح، وإزالة ما في الأمة من بدع وخرافات ومنكرات، بحكمة: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وأيضًا أن يكون على بصيرة: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، أن تكون الدعوة على بصيرة؛ على بينة، ليس على قول فلان وفلان، وإنما بما في الكتاب والسنة، وبما التزم به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة.

والله أعلم. وشكر الله لكم إتاحة هذه الفرصة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;