logo

قصة توبة عالم تونس (المكي بن عزوز) من القبورية (1من2)

قصة توبة عالم تونس (المكي بن عزوز) من القبورية (1من2)

  • سليمان بن صالح الخراشي
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 544 قراءة


(تتضمن القصة محاورات وأجوبة أسئلة من علماء.. في بيان الحق وكشف الشبهات..)

كان الشيخ التونسي (محمد المكي بن عزوز) في بداية شبابه - أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية - من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة، وقد ألف - حينها - عدة كتب، منها كتابه \" السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني \" يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبدالقادر الجيلاني وما نُسب إليه من خرافات. وقد تهجم فيه على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - لجهله بها -، وجوّز الاستغاثة بالأموات. ( ص 35 ). ثم حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء بلاد المسلمين ، فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ السلفي محمود شكري الألوسي - رحمه الله -، الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق، دون أن يكتب اسمه  عليه، مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية. ولعل هذه الهدية قد صادفت قلبًا متجردًا من ابن عزوز قادته - بإذن الله - إلى الحق، حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا.

يقول علامة الشام جمال القاسمي في رسالته إلى الألوسي - ولم يدرِ برسالة الألوسي السابقة لابن عزوز -: \" إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.

وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: \"السيف الرباني في الرد على القرماني\".. ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب. وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له \".

وقد أورد القاسمي نص رسالة ابن عزوز للبيطار، وهي:

\" كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.

وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.

فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد. وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في \"تاريخه\" من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون ).

فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدوا ( . واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري !! فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان –وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له ( سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)، وقال تعالى: ( وأعرض عن الجاهلين (. وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد..

وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منـزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم      *** اللـه يعـلم أني لم أقل فندا

إني لأفتـح عيني حين أفتحها     *** على كثير ولكن لا أرى أحداً

فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:

جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.

والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.

سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني:

وأثبتن للأوليا الكرامه   *** ومن نفاها فانبذن كــلامه

فانظروا الدليل وتنـزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة، وهو من الضروريات.

وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:

إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت   *   ولن تلين إذا كانت من الخشب

وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم )، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد \"أستغفر الله\"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي...إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.

والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.

وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع...إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله )، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في ذي الحجة سنة 1327 حافظ ودكم. محمد المكي بن عزوز التونسي \". انتهت رسالة ابن عزوز للبيطار. ( نقلتها من كتاب: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، للأستاذ محمد العجمي، ص 101-110 ).

فأجاب الألوسي على رسالة القاسمي السابقة بقوله: \" سرّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين ؛ فإن كتابه \"السيف الرباني\" لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه، فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية، وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان ونحوه... كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب \"منهاج التأسيس\" مع التتمة المسماة \"بفتح الرحمن\"، وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذ ذاك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر أسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.

وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه. ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته \". ( المرجع السابق، ص 113-115 ).

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;