مناظرة ابن عباس للخوارج (1من2 نص المناظرة)*
- asd
- 2024/08/28
- 0 تعليق
- 1285 قراءة
قال ابن عباس - رضِي الله عنهما -: لَمَّا خرجت الحَرُوريَّة، اعتَزلُوا في دارٍ على حدتهم، وكانوا ستَّة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين، أبرِد بالصلاة، لعلِّي أكلِّم هؤلاء القوم.
قال: إني أخافهم عليك.
قلت: كلاَّ إن شاء الله، فلَبِستُ أحسنَ ما يكون من حُلَل اليمن، وترجَّلتُ، ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار وهم يأكُلون (هكذا في مُعظَم الروايات، وفيه رواية: وهم قائلون) في نحر الظهيرة.
فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، فما هذه الحُلَّة؟
قلت: ما تَعِيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ ما يكون من الحُلَل، ونزلت: ? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ? [الأعراف: 32].
قالوا: فما جاء بك؟
قلت لهم: أتيتُكم من عند أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عمِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأوِيله منكم، وليس فيكم منهم أحدٌ؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.
فقال بعضهم: لا تُخاصِموا قريشًا؛ فإن الله يقول: ? بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ? [الزخرف: 58].
قال ابن عباس: وما أتيت قومًا قطُّ أشد اجتهادًا منهم، مُسهِمة وجوههم من السهر، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم، فمضى مَن حضر.
فقال بعضهم: لنُكَلِّمنَّه ولننظرنَّ ما يقول.
قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وابن عمِّه.
قالوا: ثلاث.
قلت: ما هن؟
قال: أمَّا إحداهن، فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقال الله: ? إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ ? [الأنعام: 57]، ما شأن الرجال والحكم؟
قلت: هذه واحدة.
قالوا: وأمَّا الثانية، فإنه قاتَل ولم يَسْبِ ولم يغنم، إن كانوا كفَّارًا لقد حلَّ سبيهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سبيهم ولا قتالهم.
قلت: هذه ثِنتان، فما الثالثة؟
قالوا: ومَحَا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أمير الكافرين!
قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟
قالوا: حسبنا هذا.
قلت لهم: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله - جلَّ ثناؤه - وسنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يردُّ قولكم، أترجعون؟
قالوا: نعم.
قلت: أمَّا قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيَّر حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم؛ فأمر الله - تبارك وتعالى - أن يحكموا فيه، أرأيت قول الله - تبارك وتعالى -: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ? [المائدة: 95].
وكان من حُكْمِ الله أنَّه صيَّره إلى الرجال يَحكُمون فيه، ولو شاء حكَم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله: أحكم الرجال في صَلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟
قالوا: بلى؛ بل هذا أفضل.
وقال في المرأة وزوجها: ? وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ? [النساء: 35]، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟
قالوا: اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم.
• خرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
قلت: وأمَّا قولكم: قاتَل ولم يَسْبِ ولم يَغْنَم، أفتَسْبُون أمَّكم عائشة؟! تستحِلُّون منها ما تستَحِلُّون من غيرها وهي أمُّكم؟ فإن قلتم: إنَّا نستَحِلُّ منها ما نستَحِلُّ من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم؛ ? النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ? [الأحزاب: 6].
فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج؟ فنظر بعضهم إلى بعض.
• أفخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
وأمَّا قولكم: محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، قد سمعتم أن نبي الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الحديبية صالَح المشركين، فقال لعلي: ((اكتب يا علي: هذا ما صالَح عليه محمد رسول الله))، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتَلناك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((امحُ يا علي، اللهمَّ إنك تعلم أني رسول الله، امحُ يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله))، فوالله لَرَسُولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرٌ من علي، وما أخرَجَه من النبوَّة حين محا نفسه، أخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
فرجع منهم ألفان، وخرج سائِرُهم فقُتِلُوا على ضلالتهم، قتَلَهم المهاجرون والأنصار.
(أخرجه النسائي في \"الكبرى\"، والبيهقي في \"الكبرى\"، وعبدالرزاق في \"مصنفه\"، والطبراني في \"الكبير\"، والحاكم في \"المستدرك\" وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافَقَه الذهبي، وصحَّحه الهيثمي في \"مجمع الزوائد\"). (يتبع)..
_(يتبع)..
_الجزء الثاني_____
(*) شبكة الألوكة.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق