التوسل: المشروع والممنوع (12)
- الشيخ الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 1080 قراءة
شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة والآثار
الشبهة السابعة:
عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: \"كـان رسـول الله صلى الله عليه وسـلم يستفتح بصعاليك المهاجرين\"، وفي رواية \"يستنصر بصعاليك المسلمين\"(1). يقول عبدالله الحسيني: \"الدليل العاشر من أدلة التوسل بسيد الأنبياء وبغيره من الأولياء والصالحين\" ثم ذكر الحديث(2).
الجواب: يقال لهم
أولا: الحديث مرسل ضعيف، ذلك أن مداره على أمية بن عبدالله بن خالد مرفوعا، وأمية لم تثبت له صحبة(3). يقول ابن عبد البر في الاستيعاب(4) بعد أن ذكر روايته لهذا الحديث- قال: \"لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل\"، وقال الحافظ في الإصابة(5): \"وأمية هذا ليست له صحبة ولا رؤية\"، وقال ابن حبان: \"يروي المراسيل، ومن زعم أن له صحبة فقد وهم\"(6)، وقال البغوي: \"أمية بن خالد لا أرى له صحبة\"(7). كما أن في سنده - في كـلا الروايتين - أبا إسحاق. وفيه علة العنعنة(8). قـال الألباني بعد أن ذكـر هـاتين العلتين: \"فثبت بذلك ضعف الحديث وأنه لا تقوم به حجة\"(9).
ثانيا: على فرض صحة الحديث فإنـه لا يدل إلا على التوسل بدعاء الصالح الحي، وهو مشروع. يقـول المناوي في فيض القدير: \"كان يستفتح (أي يفتتح القتال)، ويستنصر (أي يطلب النصرة) بصعاليك المسلمين (أي بدعاء فقرائهم)\"(10).
ويقول الألباني بعد أن ذكر كلام المناوي: \"وقد جاء هذا التفسير من قوله صلى الله عليه وسـلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم\"(11)(12)، فقد بيَّن الحديث أن الاستنصار إنما يكـون بدعاء الصالحين لا بذواتهم وجاههم، ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع بلفظ: \"كان يستفتح ويستنصر....\"، وبهذا يكـون هذا الحديث - إن صح - دليلا على التوسل المشروع، وحجة على التوسل المبتدع\"(13).
الشبهة الثامنة:
يقول أحمد دحلان - وهو يتكلم عن التوسل بالذات -: \"ويؤيد ذلك أيضا ما صح عنه صلى الله عليه وسـلم من قوله: حياتي خير لكم، تحدثون وأحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تُعرض علي أعمالكم، ما رأيت من خير حمدت الله تعالى، وما رأيت من شر استغفرت لكم\"(14). ويقول عبد الله محمد الحسيني: \"وهذا الحديث يدل دلالة صريحة على أن النبي صلى الله عليه وسـلم يشفع لأمته بعد انتقاله باستغفاره لهم، وعلى هذا يجوز التوسل به لأنه استشفاع\"(15).
الجواب: يقال لهم:
أولا: الحديث ضعيف بجميع طرقه، فالحكم عليه بالصحة غير صحيح. يقول الألباني: بعد أن ساق كلام العلماء في هذا الحديث: \"وجملة القول أن الحديث ضعيف بجميع طرقه، وخيرها حديث بكر بن عبدالله المزني وهو مرسل، وهو من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين، ثم حديث ابن مسعود وهو خطأ، وشرها حديث أنس بطريقيه\"(16). وقال ابن عبد الهادي الحنبلي في معرض رده على من استدل بهذا الحديث قال: \"هذا خبر مرسل\"(17). وقـال محمد بشير: بعد أن ذكر كلام ابن عبدالهادي في هذا الحديث- قال: \"فالحكم عليه بالصحة غير صحيح\"(18).
ثانيا: أن الحديث معارض(19) بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان أنه صلى الله عليه وسـلم قال: \"ليردن على حوضي أقوام، ثم يختلفون فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك\"(20) أخـرجه الـبخاري ومسلم. والشاهد مـن هذا الحديث قوله: \"إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك\"، والحديـث الضـعيف يقـول: \"تُعرض علي أعمالكم\"، أي هو صلى الله عليه وسـلم يعلم ما عليه أصحابه وغيرهم من أمته من خـير أو شر، فإما أن نقـول: السنة متناقضـة وهذا لا يقول به مسلم، أو نقول الحديـث الضعيف غـير صحيح كما قال الأئمة، وبذلك يزول الإشكال ويتضح بطلان هذه الشبهة.
الشبهة التاسعة:
يقـول أحمد دحـلان: \"ومن أدلة جواز التوسل قصة سواد بن قارب رضي الله عنه التي رواها الطبراني في الكـبير(21)، وفيها إن سواد بن قارب أنشد رسول الله صلى الله عليه وسـلم قصيدته التي فيها التوسل ولم ينكر عليه. ومنها قوله.
وأشهد أن الله لا رب غيره وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما فيه شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
فلم ينكر عليه رسـول الله صلى الله عليه وسـلم قوله: \"أدنى المرسلين وسيلة\"، ولا قوله: \"وكن لي شفيعا\"(22)
الجواب: يقال لهم:
أولا: إن الروايات التي ورد فيها الحديث كلها ضعيفة واهية، وفي المتن: اضطراب، وإذا كان كذلك لم تقم به حجة. يقول ابن حجر الهيثمي بعد أن أورد الحديث بروايتين: \"وكلا الإسنادين ضعيف\"(23). وقال محمد بشير بعد أن ذكر كلام الهيثمي: \"قد ثبت منه أن كلا الإسنادين ضعيف، وفي المتن اضطراب، فتنبه\"(24)، وقال الرفاعي: \"كما ثبت أن كافة طرقه ورواياته التي ورد فيها ضعيفة واهية\"(25).
ثانيا: على فرض صحة الحديث، فإنه لا يدل على جواز التوسل بالذات، إذ ليس في الأبيات التي وردت في الحديث أي معنى من معاني التوسل بالذات كما زعم ابن دحلان، بل كل ما تدل عليه أن أعمال الرسول صلى الله عليه وسـلم هي أعظم أعمال المرسلين، فصار بذلـك أدناهم وأقربهم إلى الله تعالى كما في البيت الثاني، كما تدل على أن سواد بن قارب يخاطب الرسول صلى الله عليه وسـلم ويرجوه أن يدعو الله تعالى أن يكون له شفيعا يوم القيامة كما في البيت الرابع، وهذا الخطاب في حياته وطلب الشفاعة منه حال حياته جائز؛ لأنه طلب لدعائه صلى الله عليه وسـلم أن يكون سواد في جملة من يشفعه الله بهم يوم القيامة، وهي من التوسل بدعاء الصالح الحي(26). قـال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: \"وقول سواد بن قارب هذا من جنس طلب دعائه صلى الله عليه وسـلم في حياته\"(27)، وبذلك يتضح بطلان استدلالهم بهذا الحديث على التوسل بالذات أو غيره من التوسل الممنوع. والله أعلم.
الشبهة العاشرة:
ما رُوي عن عبدالملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النبي صلى الله عليه وسـلم فقال: \"إني أتعلم القرآن ويتفلت مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسـلم: قل: اللهم إني أسألك بمحمد نبيك، وبإبراهيم خليـلك، وبموسـى نجيـك، وبعيسى روحـك، وبتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داود، وفرقان محمد، وبكل وحي أو حيته وقضاء قضيته... الحديث\"(28)
الجواب:
يقال لهم الحديث غير صحيح وإنما هو مكذوب، يقول ابن تيمية: \"وهذا الحديث ذكـره رزين بن معاوية العبدري في جامعه، ونقله ابن الأثير في جامع الأصول(29)، و لم يعزه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين، لكن قد رواه من صنف في عمل اليـوم والليلة كابن السني، وأبي نعيم، وفي مثل هذه الكتب أحاديث كـثيرة موضوعة لا يجوز الاعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء، وقد رواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب فضائل الأعمال، وفي هذا الكـتاب أحـاديث كثيرة موضوعة، ورواه أبـو موسى المديني من حديث زيد بن الحباب عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، وقال: ليس بالمتصل، يريد أنه لو كان رجاله ثقات فإن إسناده منقطع\"(30). ثم قال ابن تيمية: \"عبد الملك بن هارون بن عنترة من المعروفين بالكذب\"(31). وقـال يحيـى بن معـين: كـذاب، وقـال السعدي: دجـال كذاب، وقال أبـو حـاتم ابن حبان: يضع الحديث، وقال النسائي متروك الحديث، وقال البخاري منكر الحديث، وقال ابن عدي: له أحاديث لا يتابعه عليها أحد، وقـال الحـاكم في كتاب المدخـل: عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وقد ذكـر السيوطي هذا الحديث في اللآلئ المصنوعة في الأحـاديث الموضوعة، وقـال: عبد الملك دجال مع ما في السند من الإعضال(32). وعلى هذا فالحديث رجاله ليسوا ثقات، ولو فرض أنهم ثقات فإنه منقطع كما قال أبو موسى المديني وعليه فلا يحتج به. والله أعلم.
الشبهة الحادية عشرة:
ما ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعا أنه قال: \"من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصـم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحـق محمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك\"(33) وذكر تمام الدعاء.
الجواب:
يقال لهم: هذا الحديث مكذوب فلا يحتج به. يقول ابن تيمية: \"وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين\"، وقال ابن عدي فيه: منكر الحديث. وقال أبو حاتم ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسـير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل، وقال الذهبي ليس بثقة(34).
ومما يؤكد أن الحديث مكذوب تضمنه بعض الكلمات التي لا تبدو إلا من كافر، مثل قولـه: \"... لم يسأل مثلك ولا يسأل\"(35). فقوله \"مثلك\" يؤكـد وضـع الحديث وأن واضعه كافر ماكر خبيث، من هو هذا المثيل لله الذي لم يسأل ولا يسأل؟ لذا ذكـره ابن الجـوزي في الموضوعات، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 1 ص 292، برقم 857، 858 وفي رواية من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن المهلب عن أمية بن عبد الله بن خالد قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 1 ص 292 برقم 859.
إتحاف الأذكياء ص 28.
التوسل للألباني ص 113.
ج 1 ص 38.
ج 1 ص 133.
الإصابة ج1 ص 132.
الإصابة ج1 ص 132.
التوسل للألباني ص 114.
التوسل للألباني ص 114.
فيض القدير ج 5 ص 279.
صحيح البخاري الجهاد والسير (2896)، سنن النسائي الجهاد (3178)، مسند أحمد (1/173).
أخرجه النسائي في الجهاد باب الاستنصار بالضعيف وانظر جامع الأصول حديث 2781.
التوسل للألباني ص 114، 115.
أخرجه ابن سعد عن القطان عن بكر بن عبد الله مرسلا. طبقات ابن سعد 2 ص 194.
إتحاف الأذكياء ص 24، 25.
انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ج 2 ص 404- 406.
انظر : صيانة الإنسان ص 258، 259.
انظر : صيانة الإنسان ص 258، 259.
انظر : القول الجلي ص 45.
صحيح البخاري الرقاق (6576)، صحيح مسلم الفضائل (2297)، مسند أحمد (5/393).
المعجم الكبير للطبراني ج 7 ص 111.
الدرر السنية ص 27.
مجمع الزوائد ج 8 ص 253.
صيانة الإنسان ص 287.
التوصل ص 308.
انظر : صيانة الإنسان ص 287- 289 والتوصل ص 307.
مصباح الظلام ص 205.
روى هذه الشبهة عنهم شيخ الإسلام، انظر : قاعدة جليلة ص 83.
ج4 ص302 برقم 2302.
قاعدة جليلة ص 83، 84.
قاعدة جليلة ص 84.
اللآلئ المصنوعة ج 2 ص 57 س.
روى هذه الشبهة عنهم شيخ الإسلام، انظر : قاعدة جليلة صر 87، 88.
انظر : قاعدة جليلة ص 88، وميزان الاعتدال ج 6 ص 549.
انظر التوصل ص 321.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق