التبرك المنحرف (بواعثه ومظاهره) (2/4)
- الشيخ أكرم مبارك عصبان
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 126 قراءة
السنة والنكير على التبرك الشركي
لقد كان للمشركين سدرة يتبركون بها، ويعلقون أسلحتهم عليها رجاء النصر على أعدائهم، فعن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون حولها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: \"الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَ?هًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأعراف:138]، لتركبن سنن من كان قبلكم\"[1].
فهؤلاء بعض مسلمة الفتح ممن لم يفقه في الإسلام أراد أن ينيط السلاح بسدرة تبركًا كما للمشركين نظيرها، فتعجب عليه الصلاة والسلام من هذا الجهل بالإسلام في مفهوم التبرك المنحرف، وأنه مضاهاة للمشركين.
والعلة دائرة مع معلولها، فحيثما وجد هذا النوع من التبرك بالقبور أو الأشجار أو الأحجار أو العيون التي ينيطون بها حاجاتهم وجد النكير على أصحابه، وعلى هذه الجادة مشى كوكبة من الأعلام في الاستدلال بهذا النص، نذكر أقوالهم على النحو التالي:
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي: \"انظروا ـ رحمكم الله ـ أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها\"[2].
وقال الحافظ أبو شامة: \"ومن هذا القسم أيضًا ما قد عم به الابتلاء من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر\"[3].
وقال العلامة ابن القيم: \"فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها اتخاذ إله مع الله تعالى مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر والدعاء به ودعائه والدعاء عنده؟ فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون\"! ...
ومن له خبرة بما بعث الله تعالى به رسوله وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره علم أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد أبعد مما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسلف على شيء كما قيل:
سارت مشرقة وسرت مغربًا شتان بين مشرق ومغرب[4]
وهكذا نجد أن من تأمل سيرة السلف التي تعكس التربية الصحيحة رأى البون الشاسع بينهم وبين من لم يبال بمواطن الريبة غرورا بنفسه، فأقام المشاهد والقباب والتوابيت والزيارات، وأدام العكوف عند ساكنيها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم، (2180)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2180).
[2] إغاثة اللهفان، ابن القيم، (1 / 211).
[3] الحوادث والبدع، ثم ذكر ما صنعه بعض أهل العلم ببلاد إفريقية بهدم عين وقت السحر ـ تسمى عين العافية ـ فتن بها العوام، فمن تعذر عليه نكاح أو ولد مضى إليها، وهدمها وأذن للصبح عليها ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسًا.
[4] إغاثة اللهفان، ابن القيم، (1 / 205).
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق