logo

شبهة موافقة اليهود في صوم عاشوراء

شبهة موافقة اليهود في صوم عاشوراء

  • الدكتور رمضان خميس الغريب
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 44 قراءة

يحسبُ كثيرٌ من المسلمين أن عاشوراء يومٌ صامه النبي صلى الله عليه وسلم موافقةً لليهود لما دخل المدينة فوجدهم يصومونه، وعلم أنهم يعظمونه لنجاة موسى فيه، فصامه لصومهم...

وليس هذا صحيحاً. نعم سألهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث، فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِه).

لكن عاشوراء لم يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم صومه بالمدينة، ولا وافق فيه اليهود، وإنما صامه في مكة قبل هجرته، وكان يوماً تعرفه قريش في الجاهلية، وتعظمه، وتكسو فيه الكعبة.

وأمر الرسولُ صلى الله عليه وسلم المسلمين بصيامِه قبل أن يُفْرَضَ عليهم صومُ رمضان، فلما فُرِضَ عليهم، جعل الأمر خِيَرة، من شاء صام ومن لم يشأ لم يصم. ففي الصحيح: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: (كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ )[1]

قالت عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ)[2] وفي صحيح البخاري[3] أيضاً، ومسند أحمد (قَالَتْ عائشة: كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمٌ فِيهِ تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ)[4]

ومعلوم أن العرب ورثوا عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام شيئاً من العلوم والمناسك. فهو مما تلقوه من الشرع السالف[5]. قال القرطبي: (لَعلَ قُريْشاً كانوا يَسْتَنِدُون في صومِه إلى شرعِ من مضى كإبراهيم)ا.هـ.  وليس الأمر في حاجة إلى \"لعل\" فصوم النبي صلى الله عليه وسلم له دليل ذلك، وحسبك به.

ولما دخل الرسولُ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وجد اليهود يصومونه، وزعموا أنه يوم نجى الله فيه موسى، فلم يدع النبي صومَه لصومِهم، وإنما قال: \"أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى\". أي أنه مقيم على صومه ولو كانت يهود تصومه.  و(ليس في هذا الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه)، كما قال القاضي عياض (بل في حديثِ عائشةَ التصريحُ بأنه كان يصومُه قبلَ ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال)[6]

 ثم عزم على صوم يوم آخر معه –وهو التاسع- مخالفة لهم. والأولى لو أراد النبي مخالفتهم أن يترك صومه بالكلية لو كان ابتداء الصوم منهم، ولم يكن له في شرعه أثر ولا أصل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.     رواه البخاري ج4- كتاب الصوم-باب صيام عاشوراء.

2.     رواه البخاري ومسلم ومالك.

3.     كتاب الحج.

4.     وفي \"المعجم الكبير\" للطبراني عن زيد بن ثابت أنه يوم كانت تستر قريش فيه الكعبة.

5.     ابن حجر: فتح الباري ج4 كتاب الصوم- باب صيام عاشوراء.

6.     نقلاً من المصدر السابق.


تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;