شبهة التعارض بين عقوبة المرتد عن التوحيد والآيات الداعية لحرية الاعتقاد
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 114 قراءة
حول شبهة بعض المشككين في عقيدة التوحيد اللمز والطعن، وإثارة شبهة أن الإسلام لا يعرف معنى حرية العقيدة، وأن حد الردة على التارك لدينه يخالف بعض ما جاء في آيات القرآن الكريم.
أصل الشبهة:
أن عقوبة المرتد التي تقضي بموت المسلم الذي فارق دين التوحيد تتعارض مع الحرية الدينية، كما أنها تتعارض مع بعض الأيات التي وردت في القرآن ومنها قول الله تعالى:
} لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي{ [البقرة:256]
وكذلك قوله تعالى: }وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{[الكهف:29].
كما أن عقوبة المرتد لم يرد ذكرها في القرآن، ودليلها هو من آحاديث الآحاد ولا يؤخذ به في الحدود.
* الرد على هذه الشبهة:
جاء الإسلام لتحقيق هدف أصيل؛ وهو توحيد الله بالعبادة، التي من أجلها خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وتخليص البشرية جميعها من الشرك بالله الذي هو من أعظم الظلم، قال تعالى: }إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {[لقمان: 13].
والردة هي كفر المسلم، وقد عرفها الفقهاء: بأنها قطع الإسلام بنية الكفر، ومن ثم فإن الشبهة تتنزل فقط على من ارتد عن الإسلام، وليس على الكافر الأصلي.
فمن ارتد عن دين الإسلام، استتيب وجوبًا قبل قتله حدًا بأن يؤمر بالشهادتين، فيأتي بهما مع ترتيبهما وموالاتهما، وإن كان مقرًا بإحداهما، مع الاعتراف بما أنكره.
فإن تاب وعاد إلى الإسلام صح إسلامه؛ لقوله سبحانه وتعالى: } قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ{[ الأنفال: 38].
وإن لم يتب قتل وجوبًا:
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: \"مَن بدَّلَ دينَهُ فاقتُلوه\". (البخاري 6484، ومسلم 4470).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ، يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ، إلا بإحدى ثلاثٍ:النفسُ بالنفسِ، والثيبُ الزاني، والمفارقُ لدِينِه التاركُ للجماعةِ\"[البخاري: 6524].
والرد على هذه الشبهات الواردة حول حد الردة، من وجوه على النحو التالي:
1/ الإسلام لا يجبر أحدًا على الدخول في هذا الدين الحنيف ابتداءً، ومن ثم فإن المشرك من أهل الكتاب لا يوجد ما يجبره على أن يترك ما هو عليه من الشرك والظلم والدخول في الإسلام، وإنما جاء الإسلام بضرورة تبليغ الدعوة إلى الناس كافة وإزالة كافة العوائق التي تحول دون ابلاغ كلمة التوحيد.
2/ المراد بقول الله تعالى:} لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي{ أي لا تكرهوا أحدًا على اعتناق الإسلام، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية، لمن كان صادقًا مخلصًا في البحث عن الحقيقة، وأما من دخله مكرهًا فإنه لا يستفيد من اعتناقه، ولا يتخلص به من الغي.
ففي الأية السابقة عليها يقرر الله عز وجل عقيد التوحيد {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقًا أن يكون عبدًا لربه، ممتثلًا أوامره مجتنبًا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقًا ناقصًا مدبرًا فقيرًا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئًا من أنواع العبادة.
وفي هذه الآية يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه، وتبين أمره، وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره، وأما من كان سيء القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه، والمكره ليس إيمانه صحيحًا.
ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده اتباع الحق، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له.[تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص110].
فليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في التدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام.
3/ وأما قوله تعالى: }وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{ فليست للتخيير المجرد، كما قد يفهمه بعض الناس، وإنما جاءت في سياق التهديد والوعيد لمن شاء أن يكفر، ولهذا ختمها بقوله : }إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً{ [الكهف: 29].
فالمقصد أنه: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمن آمن فقد وفق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان،...، وليس في قوله: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الإذن في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين.[تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص475].
4/ وأما قولهم أن الردة لم ترد في القرآن الكريم، ولم ترد إلا في حديث من أحاديث الآحاد، وحديث الآحاد لا يؤخذ به في الحدود، فإن هذا الكلام مردود من عدة أوجه:
- أولًا: إن من علماء السلف من قال: إن آية المحاربة المذكورة في سورة المائدة تختص بالمرتدين، وهي قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ{ [المائدة: 33]، وممن قال بأن هذه الآية في المرتدين أبو قلابة وغيره.
- ثانيًا: أن السنة الصحيحة تعد مصدرًا للأحكام العملية باتفاق جميع المسلمين، وقد صحت الأحاديث بقتل المرتد.
- ثالثـًا: القول بأن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحدود غير مسلم به، فجميع المذاهب المتبعة أخذت بأحاديث الآحاد في عقوبة شارب الخمر، مع أن ما ورد في عقوبة الردة أصح وأوفر، وأغزر مما ورد في عقوبة شرب الخمر.
فمن المعروف لدى أهل العلم أن أحاديث الآحاد هي الجمهرة العظمى من أحاديث الأحكام، والحديث المتواتر - الذي هو مقابل الآحاد - نادر جدًا.
على أن كثيرًا ممن يتناولون هذه الشبهات، لا يدركون معنى حديث الآحاد، ويحسبون أنه الذي ذكره واحد فقط، وهذا خطأ، فالمراد بحديث الآحاد: ما لم يبلغ درجة التواتر، وقد يرويه اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من الصحابة، وأضعافهم من التابعين. وحديث قتل المرتد قد ذكره جم غفير من الصحابة، فهو من الأحاديث المستفيضة المشهورة.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق