logo

شبهة أنَّ السلف كانوا يقدِّمون الأدلة العقلية على النقلية

شبهة أنَّ السلف كانوا يقدِّمون الأدلة العقلية على النقلية

  • اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 110 قراءة

يرى الأشاعرة أن الأدلة النقلية ظنية لا تفيد اليقين، وأن الأدلة العقلية قطعيةٌ تفيد اليقين، وهو أمرٌ مقررٌ في كتب الأشاعرة، صاغه الفخر الرازي وجعله قانونًا كليًّا للتوفيق بين العقل والنقل عند التعارض في كتابه \"أساس التقديس\".

يقول:

 \"إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية يجب أن نُقدِّم العقل على النقل لأن العقل أصل النقل، فلو قدمنا النقل على العقل فقد قدحنا في العقل الذي هو أصل في ثبوت النقل\".

وفرارًا من الإلزامات التي ألزمهم بها أهل السنة والجماعة في تقديم العقل على النقل لجأ المعاصرون منهم إلى شبهة أن السلف - رحمهم الله - كانوا يقدمون الأدلة العقلية على الأدلة النقلية.

وشابههم في ذلك من يسمون أنفسهم بِـ\"العقلانيين\" أو \"المستنيرين\" الذين يُسمون أتباع النص وأتباع السلف بالوثنيين عبدة النصوص!! ويقولون: أنتم تعبدون النصوص، أما هم فأصحاب العقول المستنيرة، ومن ثم تراهم يرفضون أويألون كل نص يرونهم لا يتوافق مع العقل - من وجهة نظرهم -.

تفنيد هذه الشبهة من وجوه:

وفي سياق تفنيد هذه الشبهة سيظهر لنا جليًّا بطلان ما ذهب إليه الأشاعرة من تقدم العقل على النقل، كما سيتأكد لنا مذهب السلف بعدم تعارض العقل الصحيح مع النقل الصحيح.

أولًا: النقل ثابت قبل وجود العقل، فهو موجود في اللوح المحفوظ، والرسل صادقون في بلاغهم عن ربهم صدَّق الناس أو لم يُصدقوا، فالله عز وجل يقول: }فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ{ [الواقعة: 75-78]، والكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ.

ثانيًا: روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله: \"اسقه عسلاً\"، فسقاه ثم جاءه فقال إنى سقيته عسلًا فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال \"اسقه عسلًا\". فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله: \"صدق الله وكذب بطن أخيك\".فسقاه فبرأ.) البخاري: 5716، ومسلم: 2217).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \"عدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسنا، فما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هو ثابت في نفس الأمر سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه، ومن أرسله الله تعالي إلي الناس فهو رسوله سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا، وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس، وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يطعه الناس\" [درء تعارض العقل والنقل (1/88)].

ثالثًا: من وفَّقه الله يعلم أن العقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح، بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل، ومن المحال أن يُرسل إليه ما يُفسده، وإذا حدث تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين، لا ثالث لهما، إما أن النقل لم يثبت، وإما أن العقل لم يفهم النقل.

يقول ابن القيم - رحمه الله -: \"العقل الصريح موافق للنقل الصحيح والشرعة مطابقة للفطرة يتصادقان ولا يتعارضان خلافًا لمن قال: إذا تعارض العقل والوحي قدمنا العقل على الوحي، فقبحًا لعقل ينقض الوحي حكمه: ويشهد حقًا أنه هو كاذب\".

[شفاء العليل: 302]

رابعا: السلف صرحوا بتقديم النقل على العقل، وفندوا موقف الأشاعرة في هذا المجال، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -،حيث قال:

 \"إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دل على صحَّة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، وإذا أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضًا للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيءٍ من الأشياء فكان تقديم العقل موجبًا عدم تقديمه فلا يجوز تقديمه .

وهذا بيِّن واضح؛ فإن العقل هو الذي دل علي صدق السمع وصحته وأنَّ خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحًا وإذا لم يكن دليلًا صحيحًا لم يجز أن يتبع بحال فضلاً عن أن يُقدَّم، فصار تقديم العقل علي النقل قدحًا في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه والقدح فيه يمنع دلالته والقدح في دلالته يقدح في معارضته كان تقديمه عند المعارضة مبطلاً للمعارضة فامتنع تقديمه على النقل وهو المطلوب\".

[درء تعارض العقل والنقل (1/171)].

ونخلص مما سبق إلى أن:

موقف السلف يتمثل في أن العقل لا يقدم على النقل، والعقل ليس أصلًا في ثبوت النقل، وإنما العقل أصل في التعرف على النقل والعلم به، كما قال تعالى:

}وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِليْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ{ [النحل: 43].

ونختم بقول الشاعر:

علم العليم وعقل العاقل اختلفا *** من ذا الذي فيهما قد أحرز الشرفا

فالعلم قال: أنا أحرزت غايته *** والعقل قال: أنا الرحمن بي عرفا

فأفصح العلم إفصاحًا وقال له *** بأينا الله في فرقانه اتصفا

فأيقن العقل أن العلم سيده *** فقبل العقل رأس العلم وانصرفا

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;